مهدویت

مهدویت

مهدویت
مهدویت

مهدویت

مهدویت

الإعتقاد بالمهدی (ع) و الإصلاح العالمی

الإعتقاد بالمهدی (ع) و الإصلاح العالمی

المقدمة

ولد الإمام المهدی القائم بالعدل فی النصف من شعبان(1) سنة 255 هجریة قمریة و فی مدینة سامراء ( سر من رأى) و أصبح إماماً سنة 260 هجریة قمریة أی فی السنة التی توفى فیها والده العظیم الإمام الحسن العسکری (ع) ، اسمه و کنیته هما مثل اسم النبی و کنیته ، و أبوه هو الإمام العسکری الإمام الحادی عشر للشیعة و أمه هی المرأة الطاهرة " نرجس" سلام الله علیها ولم یظهر الإمام لعموم الناس منذ أیامه الأولى ، و لم یتصل به الناس إلى حدود 70 سنة إلا بواسطة نوابه الخاصین ( و هم على الترتیب : عثمان بن سعید ، محمد بن عثمان ، الحسین بن روح ، و علی بن محمد السمری ) ، و یطلق على هذه الفترة الزمانیة التی بلغت 70 سنة اسم ( الغیبة الصغرى ) و بعد ذلک بدأت الغیبة الکبرى و فی عهد الغیبة الکبرى لم و لن یعین أحدٌ کنائب خاص ، و على الأمة فی هذا العهد أن ترجع إلى نوابه العامین وهم الفقهاء و رواة الحدیث المتخصصون فی الشؤون الدینیة .

الإعتقاد بالمهدی (ع) و الإصلاح العالمی

لیس الإعتقاد بظهور الإمام المهدی (ع) و المصلح العالمی مختصاً بالشیعة بل هو أمرُ تعتقد به سائر الفرق الإسلامیة و حتى غیر المسلمین أیضاً کالیهود و النصارى و العلماء الکبار فی العالم

جاء فی زبور داود :

" و الذین ینتظرون الرب هم یرثون الأرض . . . أما الودعاء فیرثون الأرض و یتلذذون فی کثرة السلامة . . . و عاضد الصدیقین الرب . . . الرب عارف أیام الکملة و میراثهم إلى الأبد یکون . . . لأن المبارکین منه یرثون الأرض و الملعونین منه یقطعون . . . الصدیقون یرثون الأرض و یسکنون فیها إلى الأبد " (2) .

القرآن و الإعتقاد بالمهدی(ع)

لقد وعد القرآن الکریم الأمة بیوم یستلم فیه رجال الحق و الأناس اللائقون أزمة القیادة فی الأرض ، و ینتصر فیه الدین الإسلامی على سائر الأدیان و یعم الأرض ، هذا بالإضافة إلى ورود آیات فیه تفسر بالإمام المهدی (ع) :

1-{ و لقد کتبنا فی الزبور(3) من بعد الذکر أن الأرض یرثها عبادی الصالحون }.(4)

2-{ وعد الله الذین آمنوا منکم و عملوا الصالحات لیستخلفنهم فی الأرض کما استخلف الذین من قبلهم و لیمکنن لهم دینهم الذی ارتضى لهم و لیبدلنهم من بعد خوفهم أمناً یعبدوننی لا یشرکون بی شیئاً } (5)

3-{ هو الذی أرسل رسوله بالهدى و دین الحق لیظهره على الدین کله و لو کره المشرکون } (6) .

4-{و نرید أن نمن على الذین استضعفوا فی الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثین} (7)

و هکذا یتوضح من هذه الآیات أن العالم سیصل حتماً إلى الیوم الذی تستلم فیه القیادة الرشیدة اللائقه أزمة الأمور فیه ، فیکون أولیاء الله قادة الأرض یعلو الإسلام فیه على سائر العقائد (8) .

المهدی فی المصادر السنیة

و قد روى علماء السنة فی هذا المجال روایات کثیرة عن رواة یوثقونهم عن النبی الأکرم (ص) و تؤکد هذه الروایات على أن الأئمة هم اثنا عشر إماماً و إنهم کلهم من قریش ، و أن المهدی من أهل بیته (ص) و أبناء علی و فاطمة ، و قد صرح الکثیر منها انه من نسل الإمام الحسین (ع) . و قد رووا فی هذا المجال المئات من الأحادیث و التی جاءت فی أکثر من 70 مصدراً معتبراً و نحن نشیر إلى بعض منها فیما یلی :

-المسند تألیف أحمد بن حنبل المتوفی سنة 24 سنة 241 هجریة .

-صحیح البخاری تألیف البخاری المتوفی سنة 256 هجریة .

-صحیح مسلم تألیف مسلم بن حجاج النیشابوری المتوفی سنة 275 هجریة .

-صحیح الترمذی تألیف محمد بن عیسى الترمذی المتوفی سنة 279 هجریة .

و من الملاحظ أن مؤلفین هذه الکتب المذکورة . و کل منها أصح المسانید المعتبرة عن أهل السنة هؤلاء توفوا إما قبل ولادة الإمام المهدی (ع) – سنة 255 هجریة- أو بعد ولادته بقلیل .

و هکذا :-مصابیح السنة تألیف البغوی المتوفی سنة 516 هجریة .

-جامع الأصول تألیف ابن الأثیر المتوفی سنة 606 هجریة .

-الفتوحات المکیة تألیف محی الدین بن عربی المتوفی سنة 654 هجریة .

-تذکرة الخواص تألیف سبط ابن الجوزی المتوفی سنة 654 هجریة .

-فوائد السمیطی تألیف الحموی المتوفی سنة 716 هجریة .

-الصواعق تألیف ابن حجر الهیثمی المتوفی سنة 973 هجریة .

-ینابیع المودة تألیف الشیخ سلیمان القندوزی المتوفی سنة 1293 هجریة .

و قد ألف عدة من علماء السنة کتباً مستقلة حول الإمام المهدی (ع) و منها :

1-" البیان فی أخبار صاحب الزمان " للعلامة الکنجی الشافعی .

2-" عقد الدرر فی أخبار الإمام المنتظر " للشیخ جمال الدین یوسف الدمشقی .

3-" مهدی آل الرسول " لعلی بن سلطان محمد الهروی الحنفی .

4-" کتاب المهدی " تألیف أبى داود .

5-" علامات المهدی " جلال الدین السیوطی .

6-" مناقب المهدی " الحافظ أبى النعیم الأصفهانی .

7-" القول المختصر فی علامات المهدی المنتظر " لإبن حجر .

8-" البرهان فی علامات مهدی آخر الأزمان للملا علی المتقی .

9-" أربعون حدیثاً فی المهدی " لأبی العلاء الهمدانی و غیرها (9)

 

المصلح الغیبی عند الشیعة

لدینا أکثر من ثلاثة آلاف حدیث (3000) عن النبی (ص) و الأئمة الطاهرین حول الإمام المهدی (ع) و یستفاد منها

أن الإمام المهدی (ع) هو التاسع من ولد الحسین (ع) وأن أباه هو الإمام الحسن العسکری (ع) و أن أمه هی " نرجس خاتون " و اسمه اسم نبی آخر الزمان (ص) و و طفولته و هو حی إلى الیوم و سیبقى إلى ما شاء الله و أنه سیظهر فی یوم من الأیام و یملأ الأرض قسطاً و عدلاً بعد ما ملئت ظلماً و جوراً و أنه غائبٌ عن الناس لحکم فی ذلک و انه ما أن یظهر بطلعته المبارکة ، حتى یتکی على جدار الکعبة و یعلن ذلک ، و یدعو أتباعه و عددهم 313 شخصاً فیلبون نداءه و یحیطون به ، و ینزل عیسى من السماء و یصلی جماعه خلفه،و سینشر أحکام الإسلام فی أرجاء العالم و تصیر الأرض کالفردوس.

إن الأحادیث التی نقلها علماء الشیعة و السنة فی الأمور المختلفة التی تطوف حول الإمام العظیم (ع) کثیرة جداً و قد ذکرت فی کتب مثل " بحار الأنوار ، ومنتخب الأثر " وغیرها ونحن هنا نعطی إحصائیة لبعضها کما ذکرها صاحب منتخب الأثر فی کتابه ، ثم نعقب ذلک بذکر بعض متون تلک الأحادیث :

موضوع الروایة

عدد الأحادیث

التی تصرح بأن الأئمة اثنا عشر أولهم علی (ع) و آخرهم المهدی(ع)

58

التی تبشر بظهور المهدی

657

التی تصرح بأن المهدی من أهل البیت (ع)

389

التی تصرح بأن اسمه و کنیته هما کاسم النبی(ص) و کنیته

48

التی تصرح بأنه من أبناء أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (ع)

214

التی تصرح بأنه من أبناء الزهراء (ع)

192

التی تصرح بأنه من أبناء الحسین (ع)

185

التی تصرح بأنه التاسع من أبناء الحسین (ع)

148

التی تصرح بأنه من أبناء الإمام زین العابدین (ع)

185

التی تصرح بأنه من أبناء الإمام الباقر (ع)

103

التی تصرح بأنه من أبناء الإمام الصادق (ع)

103

التی تصرح بأنه من أبناء الإمام الکاظم (ع)

101

التی تصرح بأنه من أبناء الإمام الرضا (ع)

95

التی تصرح بأنه من أبناء الإمام الجواد (ع)

90

التی تصرح بأنه من أبناء الهادی (ع)

90

التی تصرح بأنه ابن الإمام العسکری (ع)

146

التی تصرح بأن اسم أبیه هو الحسن (ع)

147

التی تقول بأنه سیملأ العالم عدلاً

123

التی تقول بأن غیبته طویلة الأمد

91

التی تبین طول عمره الشریف (ع)

318

التی تقول بأن دین الإسلام سیکون عالمیاً على یدیه

47

التی تقول أنه الإمام الثانی عشر و أنه الإمام الأخیر

136

مجموع الأحادیث

3666

مع ملاحظة الأرقام التی ذکرناها و غیر ذلک الأحادیث یتوضح تماماً أن الروایات الواردة فی هذا المجال قد تجاوزت حد التواتر بلا شک و أنه یقل ورود مثل هذا العدد من الروایات فی موضوع إسلامی آخر و على هذا فیجب على کل مؤمن بالإسلام و النبی الأکرم أن یؤمن إیماناً راسخاً بوجود المهدی الموعود الذی یعیش الآن غائباً عن عیون الناس

بعض النصوص الواردة

1-یذکر مؤلف کتاب " ینابیع المودة " فی هذا الکتاب أن النبی (ص) قال : " المهدی من ولدی تکون له غیبة إذا ظهر یملأ الأرض قسطاً و عدلاً کما ملئت جوراً و ظلماً" (10)

2-وجاء فی ذلک الکتاب أن سلمان الفارسی قال : " دخلت على رسول الله صلى الله علیه وسلم إذا الحسین بن علی على فخذه و هو یقبل عینیه و یلثم فاه و هو یقول أنت سید ابن سید أخو سید أنت إمام ابن إمام أخو إمام أنت حجة ابن حجة أخو حجة و أنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم " (11) .

3-یقول ابن أبی دلف " سمعت علی بن محمد بن علی الرضا یقول : الإمام بعدی الحسن ابنی و بعد الحسن ابنه القائم الذی یملأ الأرض قسطاً و عدلاً کما ملئت جوراً و ظلماً " (12)

4-و یروی حذیفة أن النبی (ص) قال : " المهدی من ولدی وجهه کالکوکب الدری " (13) .

5-ینقل مسعدة عن الإمام الصادق أنه قال : " إن قائمنا یخرج من صلب الحسن (یعنی العسکری ) و الحسن یخرج من صلب علی (یعنی الهادی) و علی یخرج من صلب محمد (یعنی الجواد) و محمد یخرج من صلب علی (یعنی الرضا) و علی یخرج من صلب ابنیهذا (یعنی الکاظم) - وأشار إلى موسى- وهذا خرج من صلبی ، و نحن اثنا عشر إماما ، کلنا معصومون مطهرون ، والله لو لم یبق إلا یوم واحد لطول الله ذلک الیوم حتى یخرج قائمنا أهل البیت " (14) .

رأی علماء الإجتماع

یرى علماء الإجتماع الکبار فی العالم أن الحروب و سفک الدماء و قتل الأنفس و کل هذه المفاسد المتزایدة الیوم إنما هی ناتجة من عدم توفر التوازن بین متطلبات الجسم و الروح الإنسانین .

فالإنسان الیوم قد سحق الفضائل الأخلاقیة و المنابع المعنویة ، و إن کان قد سخر البحر و الفضاء و الصحراء لصالحه و صعد إلى القمر .

و من البدیهی أنه لا یمکن إقرار العدالة و النظام الصحیح بالقوة و القدرة و لا یمکن أن تضمن سعادة البشریة بحصول التکنیک المتقدم و باقی العلوم المادیة و لیس للإنسانیة محیص من أن تقیم علاقاتها على أساس من الإیمان و الأخلاق و تنجی نفسها من دوامة الخطر بقیادة مصلح عالمی عظیم ، و تصل إلى إقرار الحکم القائم على أساس العدالة و الأمن و الصفاء و الأخوة .

و على هذا نستنتج أن البشریة تسرع الیوم و تستعد لتقبل قیادة الإمام صاحب الزمان (ع) .

طول عمر الإمام (ع)

نحن نرى أن طول عمر الإنسان لیس من الأمور المستحیلة و ذلک لأنا نقرأ فی القرآن الکریم أن نوحاً (ع) قد عمّر طویلاً إذ دامت مدة تبلیغه فقط 950 سنة (15) .

و على أساس من التحقیقات العلمیة التی قام بها علماء الطبیعة فقد ثبت إمکان کون عمر الإنسان طویلاً و حتى أن أکابر العلماء صمموا على تهیئة أنواع من الأغذیة و الأدویة التی تساعد فی إطالة العمر .

و ینقل المرحوم آیة الله الصدر فی کتابه ( المهدی ) مقالاً و رد فی مجلة ( المقتطف ) العدد الثالث من سنة 1959 و ذلک کشاهد على المدعى السابق و نحن نذکر مقتبسات مما جاء فیه : " لکن العلماء الموثوق بعلمهم یقولون أن کل الأنسجة الرئیسیة من جسم الحیوان تقبل البقاء إلى ما لا نهایة و أنه فی الإمکان یبقى الإنسان حیاً ألوفا من السنین إذا لم تعرض علیه عوارض تصرم حبل حیاته و قولهم هذا لیس مجرد ظن بل هو نتیجة عملیة مؤیدة بالامتحان . . .

قال الأستاذ دیمندوبرل من أساتذة جامعة جونس هبکنس : أن کل الأجزاء الخلویة الرئیسیة من جسم الإنسان قد ثبت أن خلودها بالقوة صار أمراً مثبتاً بالامتحان أو مرجحاً ترجیحاً تاماً لطول ما عاشه حتى الآن . . . و الظاهر أن أول من امتحن ذلک فی أجزاء من جسم الحیوان هو الدکتور جاک لوب . . . ثم أثبت الدکتور (ودن لویس) و زوجته أنه یمکن وضع أجزاء خلویة من جسم جنین طائر فی سائل ملحی فتبقى حیة و توالت التجارب . . . حتى قام الدکتور الکسیس کارل و أثبت منها أن هذه الأجزاء لا تشیخ الحیوان الذی أُخذت منه بل تعیش أکثر مما یعیش هو عادة و قد شرع فی التجارب المذکورة فی شهر ینایر سنة 1912 میلادیة و لقی عقبات کثیرة و ثبت له :

1-أن هذه الأجزاء الخلویة تبقى حیة ما لم یعرض لها عارض یمیتها إما من قلة الغذاء أو من دخول بعض المیکروبات .

2-أنها لا تکتفی بالبقاء حیة بل تنمو خلایاها و تتکاثر کما لو کانت باقیة فی جسم الحیوان .

3-أنه یمکن قیاس نموها و تکاثرها و معرفة ارتباطها بالغذاء الذی یقدم لها .

4-لا تأثیر للزمن أی أنها لا تشیخ و تضعف بمرور الزمن بل لا یبدو علیها أقل أثر للشیخوخة تنمو و تتکاثر هذه السنة کما کانت تنمو و تتکاثر فی السنة الماضیة و ما قبلها من السنین .

و لکن لماذا یموت الإنسان ؟ و لماذا نرى سنینه محدودة لا تتجاوز المائة إلا نادراً جداً ؟ الجواب : أن أعضاء الإنسان کثیرة مختلفة و هی مرتبطة بعضها ببعض ارتباطاً محکماً حتى أن حیاة بعضها تتوقف على حیاة البعض الآخر فإذا ضعف بعضها أو مات لسبب من الأسباب مات بموته سائر الأعضاء ناهیک بفتک الأمراض المیکروبیة المختلفة و هذا مما یجعل متوسط العمر أقل جداً من سبعین و الثمانین . . . و غایة ، ثبت الآن العمر أقل جداً من سبعین أو الثمانین أو مائة أو أکثر بل لأن العوارض تثاب ببعض تموت کلها فإذا استطاع العلم أن یزیل هذه العوارض أو یمنع فعلها لم یبق مانع یمنع استمرار الحیاة مئات من السنین " (15) .

و على أساس هذا فإنه بعد أن علمنا بعدم المانع من طول العمر فلا إشکال إذن فی أن یمن الله القادر تعالى بحفظه على إنسان ویبقیه آلاف السنین وذلک لأن تنظیم و تحقیق الشروط التی تؤدی إلى طول العمر ، کل ذلک بیده تعالى ن وهو تعالى ، یستطیع أن یوجد نظاماً حاکماً و مقدماً على النظام العادی و ذلک کما فعل فی إجراء کل المعاجز ، فإن کل معاجز الأنبیاء کصیرورة النار برداً على إبراهیم ، و تحول عصى موسى إلى ثعبان ، و إحیاء الموتى لعیسى و غیرها کانت قد تمت على أساس خرق العادة المألوفة حیث أن الله تعالى أوجد نظاماً آخر بقدرته ما انتج حصول المعجزة ، و أن جمیع المسلمین بل الیهود و النصارى لیصدقون بتلک المعاجز ، فلا یبقى ة الحالة هذه أی إشکال فی طول عمر الإمام المهدی (ع) وذلک لأن الحکم بعد إمکانه لا یمکن قبوله بعد تصریح القرآن الکریم بطول عمر نوح (ع) و رؤیة نتائج المکتشفات العلمیة الحدیثة ، وإذا قیل لنا أن هذا الأمر ممکن لکنه یجری على خلاف النظام المألوف وجب أن نقول فی الجواب قلنا لا مانع فی أن یکون طول عمر الإمام خلافاً للمألوف المعتاد بعد أن کانت کل معاجز الأنبیاء تجری هذا المجرى بقدرة الله تعالى و وقوع المعاجز لا یحصل فی ذهنه أی إشکال فی مسألة طول عمر الإمام (ع) .

غیبة الإمام المهدی (ع)

کان النبی الأکرم (ص) یذکر الإمام الثانی عشر للأمة بین الحین و الآخر و قد ذکر الأئمة الأطهار بهذه المسألة دائماً . و قد کان لکل ذلک التذکیر المتواصل بغیبة الإمام أثر فی جعل کل إنسان معتقدٌ بالإمام المهدی معتقداً بطول عمره (ع) و هذه نماذج من الروایات الکثیرة الواردة فی هذا المجال .

1-قال رسول (ص) : " و الذی بعثنی بالحق بشیراً لیغیبن القائم من ولدی بعد معهود له منی حتى یقول أکثر الناس : ما لله فی آل محمد حاجة و یشک آخرون فی ولادته فمن أدرک زمانه فلیتمسک بدینه و لا یجعل للشیطان علیه سبیلاً بشکه فیزیله عن ملتی و یخرجه من دینی فقد أخرج أبویکم من الجنة من قبل و أن الله عز وجل جعل الشیاطین أولیاء للذین لا یؤمنون " (17) .

2-و قال أمیر المؤمنین (ع) : " للقائم منا غیبة أمدها طویل کأنی بالشیعة یجولون جولان النعم فی غیبته یطلبون المرعى فلا یجدونه ، ألا فمن ثبت منهم على دینه ، و لم یقس قلبه بطول غیبته إمامه فهو معی فی درجتی یوم القیامة ثم قال : إن القائم منا إذا قام لم یکن لأحد فی عنقه بیعة فلذلک تخفى ولادته و یغیب شخصه " (18) .

3-وروى محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله (ع) یقول : " إن بلغکم عن صاحبکم غیبة فلا تنکروها " (19)

4-و یقول العلامة الطبرسی صاحب تفسیر مجمع البیان متحدثاً عن أخبار الغیبة " وخلدها المحدثون من الشیعة فی أصولهم المؤلفة فی أیام السیدین الباقر و الصادق (ع) . . ومن جملة ثقات المحدثین و المصنفین من الشیعة الحسن بن محبوب الزراو وقد صنف کتاب المشیخة . . . ذکر فیه بعض ما أوردناه من أخبار الغیبة و منها ما عن أبی بصیر عن أبی عبد الله (ع) قال : قلت له کان أبو جعفر یقول :" لقائم آل محمد غیبتان واحدة طویلة و الأخرى قصیرة ، قال : فقال لی : نعم یا أبا بصیر أحدهما أطول من الأخرى " (20)

و یتوضح فی هذا أن الرسول (ص) و الأئمة (ع) أخبروا بوجود الإمام المهدی (ع) أخبروا بأن الإعتقاد بوجوده یصحبه الإعتقاد بغیبته ، ینقل الشیخ الصدوق علیه الرحمة عن السید الحمیری قوله : " کنت أقول بالغلو و أعتقد غیبة محمد بن علی -ابن حنیفة- قد ضللت فی ذلک زمانا فمن الله علی بالصادق جعفر بن محمد و أنقذنی به من النار و هدانی إلى سواء الصراط ، فسألته بعد ما صح عندی بالدلائل التی شاهدتها منه أنه حجة الله علىّ و على جمیع أهل زمانه و أنه الإمام الذی فرض الله طاعته و أوجب الإقتداء به فقلت له : یا بن رسول الله قد روى لنا أخبار عن آبائک علیهم السلام فی الغیبة و صحة کونها فأخبرنی بمن تقع ؟ فقال علیه السلام : " إن الغیبة ستقع بالسادس من ولدی و هو الثانی عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلى الله علیه وآله ، أولهم أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب و آخرهم القائم بالحق بقیة الله فی الأرض و صاحب الزمان . . " (21)

لماذا کانت الغیبة ؟

إن وجود الإمام (ع) و وصی النبی (ص) أمر ضروری لجهات عدیدة منها رفع الاختلافات ، و تفسیر و توضیح القوانین الإلهیة و الهدایة المعنویة الباطنیة و غیر ذلک و أن الله تعالى برحمته جعل الإمام أمیر المؤمنین (ع) و بعده أحد عشر إماماً من أبنائه واحداً بعد الآخر أوصیاء للنبی (ص) و أئمة للأمة و من الواضح أن مهمة الإمام صاحب الزمان تشبه من حیث تمام جوانب الإمامة وظائف الأئمة الآخرین (ع) ، و أنه لو لم تکن هناک موانع فإن علیه أن یظهر للناس لکی یستفیدوا منه ، و إذا کان الأمر کذلک فلماذا کان غائباً منذ بدء حیاته ؟

و عند الإجابة على هذا السؤال نقول :

إن الإعتقاد بحکمة الله تعالى یجعل من غیر اللازم أساساً نعرف فلسفة الغیبة بعد أن ثبتت ثبوتاً قاطعاً لا شک فیه ، فلا یضرنا مطلقاً إذن أن لا نعرف علة الغیبة و ذلک شبیه بتلک الموارد الکثیرة التی لا نعرف وجه الحکمة فیها ، و إنما یکفینا فقط أن یثبت لدینا بالروایات الصحیحة و البراهین القویة أن الله العظیم أرسل حجته إلى الأمة و لکن کانت هناک بعض المصالح التی استدعت أن یبقى وراء ستار الغیبة و یبدو من بعض الروایات أن السبب الأصلی للغیبة سیعرف بعد ظهوره (ع) یقول : " إن لصاحب هذا الأمر غیبة لابد منها یرتاب منها کل مبطل فقلت له : و لم جعلت فداک ؟ قال : لأمر لم یؤذن لنا فی کشفه لکم قلت فما وجه الحکمة فی غیبته ، قال : وجه الحکمة فی غیبة وجه الحکمة فی غیاب من تقدم من حجج الله تعالى ذکره ، إن وجه الحکمة فی ذلک لا ینکشف إلا بعد ظهوره کما لم ینکشف وجه الحکمة فیما أتاة الخضر (ع) لموسى علیه السلام إلا بعد إفتراقهما ، یا بن الفضل إن هذا الأمر من أمر الله وسر من سر الله و غیب من غیب الله و متى علمنا أن الله عز وجل حکیم صدقنا بأن أفعاله کلها حکمة و إن کان وجهها غیر منکشف " (22) .

على أنه یمکننا أن نعد للغیبة بعض الفوائد التی قد تکون بعض الأخبار قد أشارت إلیه و منها :

1-امتحان الأمة

فإن إحدى فوائد غیبة صاحب الزمان هی امتحان الناس لیظهروا على واقعهم فتنکشف الفئة التی استبطنت السوء و عدم الإیمان ، و تبدو ظاهرة متمیزة عن الفئة التی تمکن الإیمان من أعماق قلوبها و راح یزداد و یتعمق بانتظارها للفرح و صبرها فی الشدائد و اعتقادها بالغیب ، و بازدیاد الإیمان ترتفع قدرها و تحصل على درجات عالیة من الثواب .

یقول الإمام موسى بن جعفر (ع) :" إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمة فالله فی أدیانکم لا یزیلنکم عنها أحد یا بنی أنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غیبة حتى یرجع عن هذا الأمر من کان یقول به إنما هی محنة من الله امتحن الله بها خلقه " (23) .

2- حفظه (ع) من القتل

إن ملاحظة تاریخ الأئمة (ع) و الجور الذی توجه إلیهم من قبل خلفاء بنی أمیة و بنی العباس ، ترشدنا إلى أن الإمام الثانی عشر لو کان ظاهراً فإنه سیقتل لا محاله کما قتل آباؤه من قبل ، وذلک لأن الأعداء و السلطة الجائره کان قد انتهى إلى سمعها أنه سیظهر شخص من أهل بیت النبی (ص) من ولد علی و فاطمة سلام الله علیهما ، یحطم عروش الظالمین المستبدین و أنه ابن الإمام العسکری (ع) ، لذا فإن العباسیین لم یدخروا وسعاً فی تقصی أخبار هذا الإمام و لکن الله تعالى سلمه من کیدهم و خیب آمالهم .

ینقل زراره عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : " إن للقائم غیبة قبل ظهوره قلت : لم قال یخاف القتل "(24) .

3-لئلا تکون فی عنقه (ع) بیعة لأحد

فهناک بعض الروایات تؤکد هذا المعنى و أن غیبته (ع) حفظته من بیعة الظالمین و الحکام الغاصبین، و أن سیظهر حین یظهر و لیس لأحد بیعة فی عنقه ، فیظهر الحق عیاناً و بلا أی مداربه و یقر فی الأرض حکم القسط و العدل .

یقول الإمام الصادق (ع) : " یقوم القائم و لیس لأحد فی عنقه بیعة " (25)

فوائد وجود الإمام الغائب (ع)

قلنا -سابقاً- بأن الله تعالى عین الإمام المهدی (ع) لکی یهدی الناس إلى الحق و لکن الناس أنفسهم هم الذین منعوه (ع) من تنفیذ هذه المهمة ، و متى ما کان الناس أنفسهم مستعدین للسیر نحو الحکومة الإلهیة العالمیة الموحدة .

القائمة عل أساس من العدالة الواقعیة و رعایة الحقائق و الواقع ، و تطبیق کل أحکام الإسلام بلا أی خوف أو تقیة فإنه (ع) سیظهر .

إذن لیس هناک من جانب الله الرحیم تعالى أی تقصیر فی مجال العنایة و الرحمة ، بل إن تقصیر الناس أنفسهم هو الذی أوجب غیبة الإمام و تأخیر ظهور هذه الحکومة العالمیة ، و لکنا یجب أن نعلم أن فوائد وجود الإمام لا تنحصر بالإرشادات و الهدایة الظاهریة أن کان بین الناس ، بل أن هناک فوائد أخرى من حیث (التکوین و التشریع ) تترتب على وجوده و إن کان غائباً عن الناس .

و إن أهم فوائد وجوده (ع) هو کونه ( واسطة فی الفیض) و ذلک لأنه طبقاً للأدلة فی مجال الإمامة ، توضح أن الرابطة بین العالم و الخالق تنقطع بعدم وجود الإمام ، و ذلک لأن تمام أنواع الفیض الإلهی أنما تنزل على الناس بواسطة الإمام و قد ورد مضمون الحدیث التالی فی أحادیث کثیرة وهو " لو بقیت الأرض بغیر إمام لساخت " (26) ، نعم إن الإمام هو قلب عالم الوجود و قائد البشریة و مربیها و من هذه الزاویة فإن وجوده ظاهراً أو غائباً لا یفترقان بالنسبة إلى مرکزه .

هذا و إن الهدایة المعنویة للإمام (ع) بالنسبة للأفراد و اللائقین لذلک هی هدایة متصلة و إن لم یستطیع هؤلاء أن یروه (ع) خصوصاً و أنه ورد أنه یتردد على مجالس الناس و محافلهم و إن لم یکونوا یعرفونه .

و على هذا فإن صیانة الإمام للدین و هدایة الأناس هما أمران حاصلان بتمام المعنى فی زمان الغیبة .

إن الإمام فی الحقیقة کالشمس التی یغطیها السحاب تستمد الخلائق منها النور و الحرارة کان الجهال و العمى ینکرونها .

و هذا هو الإمام الصادق (ع) یجیب على سؤال عن کیفیة استفادة الناس من الإمام الغائب بأنهم ینتفعون ، " کما ینتفعون بالشمس إذا سترها سحاب " (27) .

و هنا لا بأس من ملاحظة ما یقول أحد المستشرقین بهذا الصدد " أعتقد أن مذهب التشیع هو المذهب الوحید الذی احتفظ دائماً بوجود رابطة الهدایة الإلهیة بین الله و الخلق و جعل رابطة الولایة حیة قائمة بشکل مستمر .

إن المذهب الیهودی ختم النبوة و هی رابطة واقعیة بین الله و الإنسان بموسى و لم یذعن بعد ذلک بنبوة السید المسیح و الرسول محمد (ص) و قطع تلک الرابطة و هکذا المسیحیون الذین ختموا النبوة بالمسیح و هکذا أهل السنة عندما قطعوا الرابطة بالرسول الأکرم (ص) و مع ختم النبوة به (ص) فهم لا یقیمون الترابط بین الخالق و المخلوق .

و لکن مذهب التشیع لوحده هو الذی یعتقد بختم بالرسول محمد (ص) و لکن الولایة و هی رابطة الهدایة و التکمیل ستبقى حیة و إلى یوم القیامة . . نعم إن قیام هذه الحقیقة بین العالم الإنسانی و الإلهی إلى الأبد إنما هو فی مذهب التشیع و حسب " (29) .

تذکیر لازم

إن الاعتقاد بالإمام المهدی (ع) یعنی أن ارتباط الناس بعالم الغیب لم ینقطع و إن من یعتقدون بذلک یجب أن یتذکروا الإمام دائماً و ینتظروا ظهور ذلک المصلح الغیبی العظیم و طبیعی أن انتظار الإمام المهدی (ع) لا یعنی أن یتخلى المسلمون و الشیعة عن مسؤولیاتهم و لا یقوموا بأی خطوة فی سبیل تحقیق الأهداف الإسلامیة و یکتفوا . بمجرد استظهاره (ع) بل الأمر على العکس من ذلک تماماً کما صرحوا به العلماء الکبار و باحثوا الشیعة منذ مئات السنین بأن المسلمین و الشیعة یجب علیهم -مهما کانت الظروف- أن یعملوا على نشر المعارف الإسلامیة وإقرار الأحکام الشرعیة و أن یصمدوا فی وجه الظلم و الذنب و الانحراف و یعارضوه بما یمکنهم . وبعبارة أخرى فإن علیهم أن یعملوا على تهیئة الأرضیة المساعدة لقیام حکومة العدل فیربوا الأفراد و المجتمع حتى یکون بنفسه مجتمعاً یسعى نحو الحق و إذا کان الظلم هو الحاکم فی المجتمع فإن علیهم أن یعترضوا علیه و یعرضوا عنه ، إن على کل مسلم أن یضحی فی سبیل الإیمان و الإسلام و أن یکون مستعداً فی کل آن لاستقبال دعوة الإمام المهدی (ع) و ذلک بأن ینظم حیاته بشکل لا یتناقض مع دعوته (ع) لکی یکون مؤهلاً للانخراط فی سلک أتباعه و أنصاره و یقارع أعداءه بکل ثبات.

الهوامش

1-اصول الکافی ، ج1 ص 514 طبعة 1388 .

2-المزمور 37 ، الدرقام 10 - 30 .

3-وقد نقلنا من قبل عبارة الزبور " إذا علنت أن القیادة اللائقة ستتسلم الأمور فی العالم .

4-سورة الأنبیاء آیة 105

5-سورة النور آیة 55

6-سورة الصف آیة 9

7-سورة القصص آیة 5

8- هناک آیات أخرى تؤکد هذا المعنى بعد أن فسرتها أو أولتها الروایات بما یتصل و قضیة الإمام المهدی (ع) و ذلک من مثل (آیة " الذین یؤمنون بالغیب "و آیة " أمن یجیب المضطر إذا دعاه " و غیرها ) و هی آیات کثیرة ذکر عمدتها المرحوم السید هاشم البحرانی فی کتاب ( المحجة فیما نزل فی القائم الحجة )

9-کشف الظنون ج1 ،2 ، هدیة العارفین ج1 ، 2 ، إیضاح المکنون

10-منتخب الأثر ص 249

11-المهدی ص 60

12- منتخب الأثر ص 225

13-ذخائر العقبى ص 136

14-اثبات الهداة ج 2 ص 562

15-سورة العنکبوت الآیة 14

16-المهدی ص 136-132

17-اثبات الهداة ج6 ص 386

18-اثبات الهداة ج6 ص 395-394

19-اثبات الهداة ج6 ص 350

20-اعلام الورى ص 416

21-کمال الدین ص 33

22-اثبات الهداة ج6 ص 438

23-بحار الأنوار ج52 ص 113

24-منتخب الأثر ص 269

25- اثبات الهداة ج 6 ص 436

26- اصول الکافی ج1 ص 178 طبع الآخندى

27-منتخب الأثر ص 271

28-الدکتور کربن استاذ الفلسفة فی جامعة السوربون

29-الکتاب السنوی "مکتب تشیع " السنة الثانیة ص 20 – 21

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد