مهدویت

مهدویت

مهدویت
مهدویت

مهدویت

مهدویت

بحث حول المهدیّ (عج)

بحث حول المهدیّ (عج)

المقدّمة

لیس المهدی تجسیداً لعقیدة إسلامیة ذات طابع دینی فحسب، بل هو عنوان لطموح اتّجهت إلیه البشریة بمختلف أدیانها ومذاهبها، وصیاغة لإلهام فطریّ،(1)أدرک الناس من خلاله - على الرغم من تنوّع عقائدهم ووسائلهم إلى الغیب - أن للإنسانیة یوماً موعوداً على الأرض، تحقّق فیه رسالات السماء بمغزاها الکبیر، وهدفها النهائی، وتجد فیه المسیرة المکدودة للإنسان على مرّ التاریخ استقرارها وطمأنینتها، بعد عناء طویل. بل لم یقتصر الشعور بهذا الیوم الغیبی والمستقبل المنتظر على المؤمنین دینیّاً بالغیب، بل امتدّ إلى غیرهم أیضاً وانعکس حتى على أشدّ الإیدیولوجیّات والاتّجاهات العقائدیة رفضاً للغیب والغیبیات، کالمادیة الجدلیة التی فسّرت التاریخ على أساس التناقضات، وآمنت بیوم موعود،(2)تُصفّى فیه کل تلک التناقضات ویسود فیه الوئام والسلام. وهکذا نجد أنّ التجربة النفسیة لهذا الشعور التی مارستها الإنسانیة على مر الزمن، من أوسع التجارب النفسیة وأکثرها عموماً بین أفراد الإنسان.

وحینما یدعم الدین هذا الشعور النفسی العام، ویؤکّد أنّ الأرض فی نهایة المطاف ستمتلىء قسطاً وعدلاً، بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً،(3) یعطی لذلک الشعور قیمته

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 - إشارة إلى أن هذا ارتکاز فی ضمیر الإنسانیة ، واعتقاد سائد عند أغلب شعوب الأرض، إذ هناک شعور قویٌّ یخالج وجدان الإنسان بظهور المنقذ عندما تتعقّد الأمور، وتتعاظم المحنة، وتدلّهم الخطوب، ویطبق الظلم، وهو ما تبشّر به الأدیان، ویحکیه تاریخ الحضارات الإنسانیة. راجع: سیرة الأئمّة الاثنی عشر / هاشم معروف الحسنی 2: 516 فیما نقله عن الکتب والمصادر، ومنها: نظریة الإمامیة عند الشیعة / الدکتور أحمد محمود صبحی.
2 - إشارة إلى معتقد المارکسیّین وأمانیهم بالیوم الموعود، حیث ستسود الشیوعیّة - کما یعتقدون - آخر الأمر ویتوقف الصراع المریر، استناداً إلى نظریّتهم الشهیرة فی المادیة التاریخیة. راجع: فلسفتنا / الشهید الصدر (ره): ص 26 فی عرض النظریة ومناقشتها.
3 - إشارة إلى الحدیث الشریف المتواتر: «لو لم یبق من الدهر إلا یومٌ لبعث الله رجلاً من أهل بیتی یملؤها عدلاً کما مُلئت جوراً». راجع: صحیح سنن المصطفى لأبی داود 2: 207، وراجع: التاج الجامع للأصول للشیخ منصور علی ناصف 5: 343.

«2»

الموضوعیة، ویحوله إلى إیمان حاسم بمستقبل المسیرة الإنسانیة، وهذا الإیمان لیس مجرد مصدر للسلوة والعزاء فحسب، بل مصدر عطاء وقوة. فهو مصدر عطاء; لأنّ الإیمان بالمهدیّ إیمان برفض الظلم والجور حتى وهو یسود الدنیا کلّها، وهو مصدر قوة ودفع لا ینضب;(1) لأنه بصیص نور یقاوم الیأس فی نفس الإنسان، ویحافظ على الأمل المشتعل فی صدره مهما ادلهمّت الخطوب وتعملق الظلم; لأنّ الیوم الموعود یثبت أنّ بإمکان العدل أن یواجه عالماً ملیئاً بالظلم والجور، فیزعزع ما فیه من أرکان الظلم، ویقیم بناءه من جدید،(2) وأنّ الظلم مهما تجبّر وامتدّ فی أرجاء العالم وسیطر على مقدّراته، فهو حالة غیر طبیعیة، ولا بدّ أن ینهزم.(3) وتلک الهزیمة الکبرى المحتومة للظلم وهو فی قمّة مجده، تضع الأمل کبیراً أمام کلّ فرد مظلوم، وکلّ أمّة مظلومة، فی القدرة على تغییر المیزان وإعادة البناء.

وإذا کانت فکرة المهدیّ أقدم من الإسلام وأوسع منه، فإنّ معالمها التفصیلیة التی حدّدها الإسلام جاءت أکثر إشباعاً لکلّ الطموحات التی انشدّت إلى هذه الفکرة منذ فجر التاریخ الدینی، وأغنى عطاءً، وأقوى إثارةً لأحاسیس المظلومین والمعذّبین على مرّ التاریخ. وذلک لأنّ الإسلام حوّل الفکرة من غیب إلى واقع، ومن مستقبل إلى حاضر، ومن التطلّع إلى منقذ تتمخّض عنه الدنیا فی المستقبل البعید المجهول إلى الإیمان بوجود المنقذ فعلاً، وتطلّعه مع المتطلّعین إلى الیوم الموعود، واکتمال کلّ الظروف التی تسمح له بممارسة دوره العظیم. فلم یعد المهدیّ فکرةً ننتظر ولادتها، ونبوءةً نتطلّع إلى مصداقها، بل واقعاً قائماً ننتظر فاعلیته، وإنساناً معیّناً یعیش بیننا بلحمه ودمه، نراه ویرانا، ویعیش مع آمالنا وآلامنا، ویشارکنا أحزاننا وأفراحنا، ویشهد کلّ ما تزخر به الساحة على وجه الأرض من عذاب المعذّبین وبؤس البائسین وظلم الظالمین، ویکتوی بکلّ ذلک من قریب أو بعید، وینتظر بلهفة اللحظة التی یتاح له فیها أن یمدّ یده إلى کلّ مظلوم، وکلّ محروم(4)، وکلّ بائس، ویقطع دابر الظالمین.

وقد قدّر لهذا القائد المنتظر أن لا یعلن عن نفسه، ولا یکشف للآخرین حیاته على الرغم من أنه یعیش معهم انتظاراً للّحظة الموعودة.

ومن الواضح أنّ الفکرة بهذه المعالم الإسلامیة، تقرّب الهوّة الغیبیة بین المظلومین، کلّ المظلومین والمنقذ المنتظر، وتجعل الجسر بینهم وبینه فی شعورهم النفسی قصیراً مهما طال الانتظار.

ونحن حینما یراد منّا أن نؤمن بفکرة المهدیّ، بوصفها تعبیراً عن إنسان حیّ محدّد، یعیش فعلاً کما نعیش، ویترقّب کما نترقّب، یراد الإیحاء إلینا بأنّ فکرة الرفض المطلق لکلّ ظلم وجور التی یمثّلها المهدیّ، تجسّدت فعلاً فی القائد الرافض المنتظر، الذی سیظهر ولیس فی عنقه بیعة لظالم، کما فی الحدیث،(5) وأنّ الإیمان به إیمان بهذا الرفض الحیّ القائم فعلاً، ومواکبة له.

وقد ورد فی الأحادیث الحثّ المتواصل على انتظار الفرج، ومطالبة المؤمنین بالمهدیّ أن یکونوا بانتظاره. وفی ذلک تحقیق لتلک الرابطة الروحیة، والصلة الوجدانیة بینهم وبین القائد الرافض، وکلّ ما یرمز إلیه من قیم، وهی رابطة وصلة لیس بالإمکان إیجادها ما لم یکن المهدیّ قد تجسّد فعلاً فی إنسان حیّ معاصر.(6)

وهکذا نلاحظ أنّ هذا التجسید أعطى الفکرة زخماً جدیداً، وجعل منها مصدر عطاء وقوة بدرجة أکبر، إضافة إلى ما یجده أی إنسان رافض من سلوة وعزاء وتخفیف لما یقاسیه من آلام الظلم والحرمان، حین یحسّ أنّ إمامه وقائده یشارکه هذه الآلام، ویتحسّس بها فعلاً بحکم کونه إنساناً معاصراً، یعیش معه ولیس مجرد فکرة مستقبلیة. ولکنّ التجسید المذکور أدّى فی نفس الوقت إلى مواقف سلبیة تجاه فکرة المهدی نفسها(7) لدى عدد من الناس، الذین صعب علیهم أن یتصوّروا ذلک ویفترضوه.

فهم یتساءلون!

إذا کان المهدیّ یعبّر عن إنسان حیّ، عاصر کلّ هذه الأجیال المتعاقبة منذ أکثر من عشرة قرون، وسیظلّ یعاصر امتداداتها إلى أن یظهر على الساحة، فکیف تأتّى لهذا الإنسان أن یعیش هذا العمر الطویل، وینجو من قوانین الطبیعة التی تفرض على کلّ إنسان أن یمرّ بمرحلة الشیخوخة والهرم، فی وقت سابق على ذلک جدّاً، وتؤدّی به تلک المرحلة طبیعیّاً إلى الموت؟ أوَلیس ذلک مستحیلاً من الناحیة الواقعیة؟(8)

ویتساءلون أیضاً!

لماذا کلّ هذا الحرص من الله - سبحانه وتعالى - على هذا الإنسان بالذات؟ فتُعطّل من أجله القوانین الطبیعیّة،(9) ویفعل ویُفعل لإطالة عمره والاحتفاظ به للیوم الموعود؟ فهل عقمت البشریّة عن إنتاج القادة ا لأکفّاء؟ ولماذا لا یترک الیوم الموعود لقائد یولد(10) مع فجر ذلک الیوم، وینمو کما ینمو الناس، ویمارس دوره بالتدریج، حتى یملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعد أن ملئت ظلماً وجوراً؟

ویستاءلون أیضاً!

إذا کان المهدیّ اسماً لشخص محدّد هو ابن الإمام الحادی عشر(11) من أئمّة أهل البیت (ع)، الذی ولد سنة (256 هـ)(12) وتوفّی أبوه سنة (260 هـ)، فهذا یعنی أنه کان طفلاً صغیراً عند موت أبیه، لا یتجاوز خمس سنوات، وهی سن لا تکفی للمرور بمرحلة إعداد فکری ودینی کامل على ید أبیه، فکیف وبأی طریقة یکتمل إعداد هذا الشخص(13) لممارسة دوره الکبیر، دینیاً وفکریاً وعلمیاً؟

ویتساءلون أیضاً!

إذا کان القائد جاهزاً، فلماذا کلّ هذا الانتظار الطویل مئات السنین؟

أولیس فی ما شهده العالم من المحن والکوارث الاجتماعیة ما یبرّر بروزه(14) على الساحة وإقامة العدل على الأرض؟

ویتساءلون أیضاً!

کیف نستطیع أن نؤمن بوجود المهدیّ، حتى لو افترضنا أنّ هذا ممکن؟ وهل یسوغ لإنسان أن یعتقد بصحة فرضیة من هذا القبیل دون أن یقوم علیها دلیل علمی أو شرعی قاطع(15)؟ وهل تکفی بضع روایات تنقل عن النبیّ (ص) لا نعلم مدى صحّتها(16) للتسلیم بالفرضیة المذکورة؟

ویتساءلون أیضاً بالنسبة إلى ما أعدّ له هذا الفرد من دور فی الیوم الموعود!

کیف یمکن أن یکون للفرد هذا الدور العظیم الحاسم فی حیاة العالم؟! مع أنّ الفرد مهما کان عظیماً لا یمکنه أن یصنع بنفسه التاریخ، ویدخل به مرحلة جدیدة، وإنما تختمر بذور الحرکة التاریخیة وجذوتها فی الظروف الموضوعیة وتناقضاتها، وعظمة الفرد(17) هی التی ترشّحه لکی یشکّل الواجهة لتلک الظروف الموضوعیة، والتعبیر العملی عما تتطلبه من حلول؟

ویتساءلون أیضاً!

ما هی الطریقة التی یمکن أن نتصور من خلالها ما سیتمّ على ید ذلک الفرد من تحوّل هائل وانتصار حاسم للعدل ورسالة العدل على کلّ کیانات الظلم والجور والطغیان، على الرغم مما تملک من سلطان ونفوذ، وما یتواجد لدیها من وسائل الدمار والتدمیر، وما وصلت إلیه من المستوى الهائل فی الامکانات العلمیة والقدرة السیاسیة والاجتماعیة والعسکریة؟(18)

هذه أسئلة قد تتردّد فی هذا المجال وتقال بشکل وآخر، ولیست البواعث الحقیقیة لهذه الأسئلة فکریة فحسب، بل هناک مصدر نفسی لها أیضاً، وهو الشعور بهیبة الواقع المسیطر عالمیاً، وضآلة أی فرصة لتغییره من الجذور، وبقدر ما یبعثه الواقع الذی یسود العالم على مرّ الزمن من هذا الشعور، تتعمّق الشکوک وتترادف التساؤلات. وهکذا تؤدّی الهزیمة والضآلة والشعور بالضعف لدى الإنسان إلى أن یحسّ نفسیّاً بإرهاق شدید، لمجرد تصور عملیة التغییر الکبرى للعالم التی تفرغه من کلّ تناقضاته ومظالمه التاریخیة، وتعطیه محتوىً جدیداً قائماً على أساس الحق والعدل، وهذا الإرهاق یدعوه إلى التشکّک فی هذه الصورة ومحاولة رفضها لسبب وآخر.

ونحن الآن نأخذ التساؤلات السابقة تباعاً; لنقف عند کلّ واحد منها وقفة قصیرة بالقدر الذی تتسع له هذه الوریقات.

المبحث الأوّل

کیف تأتّى للمهدی هذا العمر الطویل؟

هل بالإمکان أن یعیش الإنسان قروناً کثیرة کما هو المفترض فی هذا القائد المنتظر لتغییر العالم، الذی یبلغ عمره الشریف فعلاً أکثر من ألف ومئة وأربعین سنة، أی حوالی (14) مرة بقدر عمر الإنسان الاعتیادی الذی یمرّ بکل المراحل الاعتیادیة من الطفولة إلى الشیخوخة؟

کلمة الإمکان هنا تعنی أحد ثلاثة معان: الإمکان العملی، والإمکان العلمی، والإمکان المنطقی أو الفلسفی.

وأقصد بالإمکان العملی: أن یکون الشیء ممکناً على نحو یتاح لی أو لک، أو لإنسان آخر فعلاً أن یحقّقه، فالسفر عبر المحیط، والوصول إلى قاع البحر، والصعود إلى القمر، أشیاء أصبح لها إمکان عملی فعلاً. فهناک من یمارس هذه الأشیاء فعلاً بشکل وآخر.(19)

وأقصد بالإمکان العلمی: أنّ هناک أشیاء قد لا یکون بالإمکان عملیاً لی أو لک، أن نمارسها فعلاً بوسائل المدینة المعاصرة، ولکن لا یوجد لدى العلم ولا تشیر اتّجاهاته المتحرکة إلى ما یبرّر رفض إمکان هذه الأشیاء ووقوعها وفقاً لظروف ووسائل خاصة، فصعود الإنسان إلى کوکب الزهرة لا یوجد فی العلم ما یرفض وقوعه، بل إنّ اتّجاهاته القائمة فعلاً تشیر إلى إمکان ذلک، وإن لم یکن الصعود فعلاً میسوراً لی أو لک; لأنّ الفارق بین الصعود إلى الزهرة والصعود إلى القمر لیس إلاّ فارق درجة، ولا یمثل الصعود إلى الزهرة إلاّ مرحلة تذلیل الصعاب الإضافیة التی تنشأ من کون المسافة أبعد، فالصعود إلى الزهرة ممکن علمیاً وإن لم یکن ممکناً عملیاً فعلاً.(20) وعلى العکس من ذلک الصعود إلى قرص الشمس فی کبد السماء فإنّه غیر ممکن علمیاً، بمعنى أنّ العلم لا أمل له فی وقوع ذلک، إذ لا یتصوّر علمیاً وتجریبیاً إمکانیة صنع ذلک الدرع الواقی من الاحتراق بحرارة الشمس، التی تمثّل أتّوناً هائلاً مستعراً بأعلى درجة تخطر على بال إنسان.

وأقصد بالإمکان المنطقی أو الفلسفی: أن لا یوجد لدى العقل وفق ما یدرکه من قوانین قبلیّة - أی سابقة على التجربة - ما یبرّر رفض الشیء والحکم باستحالته.

فوجود ثلاث برتقالات تنقسم بالتساوی وبدون کسر إلى نصفین لیس له إمکان منطقی; لأنّ العقل یدرک - قبل أن یمارس أی تجربة - أنّ الثلاثة عدد فردی ولیس زوجاً، فلا یمکن أن تنقسم بالتساوی; لأنّ انقسامها بالتساوی یعنی کونها زوجاً، فتکون فرداً وزوجاً فی وقت واحد، وهذا تناقض، والتناقض مستحیل منطقیاً. ولکن دخول الإنسان فی النار دون أن یحترق، وصعوده للشمس دون أن تحرقه الشمس بحرارتها لیس مستحیلاً من الناحیة المنطقیة، إذ لا تناقض فی افتراض أنّ الحرارة لا تتسرّب من الجسم الأکثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة، وإنّما هو مخالف للتجربة التی أثبتت تسرب الحرارة من الجسم الأکثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة إلى أن یتساوى الجسمان فی الحرارة.

وهکذا نعرف أنّ الإمکان المنطقی أوسع دائرة من الإمکان العلمی، وهذا أوسع دائرة من الإمکان العملی.

ولا شکّ فی أنّ امتداد عمر الإنسان آلاف السنین ممکن منطقیاً; لأنّ ذلک لیس مستحیلاً من وجهة نظر عقلیة تجریدیة، ولا یوجد فی افتراض من هذا القبیل أی تناقض; لأنّ الحیاة کمفهوم لا تستبطن الموت السریع، ولا نقاش فی ذلک.

کما لا شکّ أیضاً ولا نقاش فی أنّ هذا العمر الطویل لیس ممکناً إمکاناً عملیاً، على نحو الإمکانات العملیة للنزول إلى قاع البحر أو الصعود إلى القمر، ذلک لأنّ العلم بوسائله وأدواته الحاضرة فعلاً، والمتاحة من خلال التجربة البشریة المعاصرة، لا یستطیع أن یُمدّد عمر الإنسان مئات السنین، ولهذا نجد أنّ أکثر الناس حرصاً على الحیاة وقدرة على تسخیر إمکانات العلم، لا یتاح لهم من العمر إلاّ بقدر ما هو مألوف.

وأما الإمکان العلمی فلا یوجد علمیاً الیوم ما یبرّر رفض ذلک من الناحیة النظریة.(21) وهذا بحث یتصل فی الحقیقة بنوعیة التفسیر الفسلجی لظاهرة الشیخوخة والهرم لدى الإنسان، فهل تعبّر هذه الظاهرة عن قانون طبیعی یفرض على أنسجة جسم الإنسان وخلایاه - بعد أن تبلغ قمّة نموّها - أن تتصلّب بالتدریج وتصبح أقل کفاءة للاستمرار فی العمل، إلى أن تتعطّل فی لحظة معیّنة، حتى لو عزلناها عن تأثیر أی عامل خارجی؟ أو أنّ هذا التصلب وهذا التناقض فی کفاءة الأنسجة والخلایا الجسمیة للقیام بأدوارها الفسیولوجیة، نتیجة صراع مع عوامل خارجیة کالمیکروبات أو التسمّم الذی یتسرّب إلى الجسم من خلال ما یتناوله من غذاء مکثّف؟ أو ما یقوم به من عمل مکثّف أو أی عامل آخر؟

وهذا سؤال یطرحه العلم الیوم على نفسه، وهو جادّ فی الإجابة عنه، ولا یزال للسؤال أکثر من جواب على الصعید العلمی.

فإذا أخذنا بوجهة النظر العلمیة التی تتّجه إلى تفسیر الشیخوخة والضعف الهرمی، بوصفه نتیجة صراع واحتکاک مع مؤثرات خارجیة معیّنة، فهذا یعنی أنّ بالإمکان نظریّاً، إذا عزلت الأنسجة التی یتکوّن منها جسم الإنسان عن تلک المؤثّرات المعیّنة، أن تمتدّ بها الحیاة وتتجاوز ظاهرة الشیخوخة وتتغلّب علیها نهائیاً.

وإذا أخذنا بوجهة النظر الأخرى، التی تمیل إلى افتراض الشیخوخة قانوناً طبیعیّاً للخلایا والأنسجة الحیّة نفسها، بمعنى أنها تحمل فی أحشائها بذرة فنائها المحتوم، مروراً بمرحلة الهرم والشیخوخة وانتهاءً بالموت.

أقول:

إذا أخذنا بوجهة النظر هذه، فلیس معنى هذا عدم افتراض أی مرونة فی هذا القانون الطبیعی، بل هو - على افتراض وجوده - قانون مرن; لأننا نجد فی حیاتنا الاعتیادیة; ولأنّ العلماء یشاهدون فی مختبراتهم العلمیة، أنّ الشیخوخة کظاهرة فسیولوجیة لا زمنیّة، قد تأتی مبکّرة، وقد تتأخر ولا تظهر إلاّ فی فترة متأخرة، حتى أنّ الرجل قد یکون طاعناً فی السن ولکنه یملک أعضاء لیّنة، ولا تبدو علیه أعراض الشیخوخة کما نصّ على ذلک الأطباء.(22) بل إنّ العلماء استطاعوا عملیّاً أن یستفیدوا من مرونة ذلک القانون الطبیعی المفترض، فأطالوا عمر بعض الحیوانات مئات المرّات بالنسبة إلى أعمارها الطبیعیة; وذلک بخلق ظروف وعوامل تؤجل فاعلیة قانون الشیخوخة.

وبهذا یثبت علمیاً أنّ تأجیل هذا القانون بخلق ظروف وعوامل معیّنة أمر ممکن علمیاً، ولئن لم یتح للعلم أن یمارس فعلاً هذا التأجیل بالنسبة إلى کائن معقّد معیّن کالإنسان، فلیس ذلک إلاّ لفارق درجة بین صعوبة هذه الممارسة بالنسبة إلى الإنسان وصعوبتها بالنسبة إلى أحیاء أخرى. وهذا یعنی أنّ العلم من الناحیة النظریة وبقدر ما تشیر إلیه اتجّاهاته المتحرّکة لا یوجد فیه أبداً ما یرفض إمکانیة إطالة عمر الإنسان، سواء فسّرنا الشیخوخة بوصفها نتاج صراع واحتکاک مع مؤثّرات خارجیة، أو نتاج قانون طبیعی للخلیّة الحیّة نفسها یسیر بها نحو الفناء.

ویتلخّص من ذلک: أنّ طول عمر الإنسان وبقاءه قروناً متعدّدة أمر ممکن منطقیاً وممکن علمیاً، ولکنه لا یزال غیر ممکن عملیاً، إلاّ أنّ اتّجاه العلم سائر فی طریق تحقیق هذا الإمکان عبر طریق طویل.

وعلى هذا الضوء نتناول عمر المهدیّ علیه الصلاة والسلام وما أحیط به من استفهام أو استغراب، ونلاحظ:

إنه بعد أن ثبت إمکان هذا العمر الطویل منطقیاً وعلمیاً، وثبت أنّ العلم سائر فی طریق تحویل الإمکان النظری إلى إمکان عملی تدریجاً، لا یبقى للاستغراب محتوىً إلاّ استبعاد أن یسبق المهدیّ العلم نفسه، فیتحوّل الإمکان النظری إلى إمکان عملی فی شخصه، قبل أن یصل العلم فی تطوّره إلى مستوى القدرة الفعلیة على هذا التحویل، فهو نظیر من یسبق العلم فی اکتشاف دواء ذات السحایا أو دواء السرطان.

وإذا کانت المسألة هی أنه کیف سبق الإسلام - الذی صمّم عمر هذا القائد المنتظر - حرکة العلم فی مجال هذا التحویل؟

فالجواب: إنه لیس ذلک هو المجال الوحید الذی سبق فیه الإسلام حرکة العلم.

أوَلیست الشریعة الإسلامیة ککلّ قد سبقت حرکة العلم والتطوّر الطبیعی للفکر الإنسانی قروناً عدیدة؟(23)

أولم تنادِ بشعارات طرحت خططاً للتطبیق لم ینضج الإنسان للتوصل إلیها فی حرکته المستقلة إلاّ بعد مئات السنین؟

أولم تأتِ بتشریعات فی غایة الحکمة، لم یستطع الإنسان أن یدرک أسرارها ووجه الحکمة فیها إلاّ قبل برهة وجیزة من الزمن؟

أولم تکشف رسالة السماء أسراراً من الکون لم تکن تخطر على بال إنسان، ثمّ جاء العلم لیثبّتها ویدعمها؟

فإذا کنا نؤمن بهذا کله، فلماذا نستکثر على مرسل هذه الرسالة - سبحانه وتعالى - أن یسبق العلم فی تصمیم عمر المهدیّ؟(24) وأنا هنا لم أتکلم إلاّ عن مظاهر السبق التی نستطیع أن نحسّها نحن بصورة مباشرة، ویمکن أن نضیف إلى ذلک مظاهر السبق التی تحدّثنا بها رسالة السماءنفسها.

ومثال ذلک أنها تخبرنا بأنّ النبیّ (ص) قد أسری به لیلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهذا الإسراء(25) إذا أردنا أن نفهمه فی إطار القوانین الطبیعیّة، فهو یعبّر عن الاستفادة من القوانین الطبیعیة بشکل لم یُتح العلم أن یحقّقه(26) إلاّ بعد مئات السنین، فنفس الخبرة الربانیة أتاحت للرسول (ص) التحرک السریع قبل أن یتاح للعلم تحقیق ذلک، أتاحت لآخر خلفائه المنصوصین العمر المدید، قبل أن یتاح للعلم تحقیق ذلک.

نعم، هذا العمر المدید الذی منحه الله تعالى للمنقذ المنتظر یبدو غریباً فی حدود المألوف حتى الیوم فی حیاة الناس، وفی ما أنجز فعلاً من تجارب العلماء.

ولکن!

أوَلیس الدور التغییری الحاسم الذی أعدّ له هذا المنقذ غریباً فی حدود المألوف فی حیاة الناس، وما مرّت بهم من تطورات التاریخ؟

أوَلیس قد أنیط به تغییر العالم، وإعادة بنائه الحضاری من جدید على أساس الحق والعدل؟

فلماذا نستغرب إذا اتّسم التحضیر لهذا الدور الکبیر ببعض الظواهر الغریبة والخارجة عن المألوف، کطول عمر المنقذ المنتظر؟ فإنّ غرابة هذه الظواهر وخروجها عن المألوف مهما کان شدیداً، لا یفوق بحال غرابة نفس الدور العظیم الذی یجب على الیوم الموعود إنجازه. فإذا کنا نستسیغ ذلک الدور الفرید(27)تاریخیاً على الرغم من أنه لا یوجد دور مناظر له فی تاریخ الإنسان، فلماذا لا نستسیغ ذلک العمر المدید الذی لا نجد عمراً مناظراً له فی حیاتنا المألوفة؟

ولا أدری!

هل هی صدفة أن یقوم شخصان فقط بتفریغ الحضارة الإنسانیة من محتواها الفاسد وبنائها من جدید، فیکون لکلّ منها عمر مدید یزید على أعمارنا الاعتیادیة أضعافاً مضاعفة؟

أحدهما مارس دور فی ماضی البشریة وهو النبیّ نوح، الذی نصّ القرآن الکریم(28)على أنه مکث فی قومه ألف سنة إلاّ خمسین عاماً، وقدّر له من خلال الطوفان أن یبنی العالم من جدید.

والآخر یمارس دوره فی مستقبل البشریة وهو المهدیّ الذی مکث فی قومه حتى الآن أکثر من ألف عام، وسیقدّر له فی الیوم الموعود أن یبنی العالم من جدید.

فلماذا نقبل نوح الذی ناهز ألف عام على أقل تقدیر ولا نقبل المهدیّ؟(29)

المبحث الثانی

المعجزة والعمر الطویل

وقد عرفنا حتى الآن أنّ العمر الطویل ممکن علمیاً، ولکن لنفترض أنه غیر ممکن علمیاً، وأنّ قانون الشیخوخة والهرم قانون صارم لا یمکن للبشریة الیوم، ولا على خطّها الطویل أن تتغلب علیه، وتغیّر من ظروفه وشروطه، فماذا یعنی ذلک؟ إنه یعنی أنّ إطالة عمر الإنسان - کنوح أو کالمهدیّ - قروناً متعدّدة، هی على خلاف القوانین الطبیعیة التی أثبتها العلم بوسائل التجربة والاستقراء الحدیثة، وبذلک تصبح هذه الحالة معجزة عطّلت قانوناً طبیعیاً فی حالة معیّنة للحفاظ على حیاة الشخص الذی أنیط به الحفاظ على رسالة السماء، ولیست هذه المعجزة فریدة من نوعها، أو غریبة على عقیدة المسلم المستمدّة من نصّ القرآن والسنّة،(30) فلیس قانون الشیخوخة والهرم أشدّ صرامة من قانون انتقال الحرارة من الجسم الأکثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة حتى یتساویا، وقد عطّل هذا القانون لحمایة حیاة إبراهیم (ع)، حین کان الأسلوب الوحید للحفاظ علیه تعطیل ذلک القانون. فقیل للنار حین ألقی فیها إبراهیم (قلنا یا نار کونی برداً وسلاماً على إبراهیم) الأنبیاء : 69، فخرج منها کما دخل سلیماً لم یصبه أذىً، إلى کثیر من القوانین الطبیعیة التی عطّلت لحمایة أشخاص من الأنبیاء وحجج الله على الأرض، فَفُلق البحر لموسى،(31) وشبّه للرومان أنهم قبضوا على عیسى(32) ولم یکونوا قد قبضوا علیه، وخرج النبیّ محمد (ص) من داره وهی محفوفة بحشود قریش التی ظلّت ساعات تتربّص به لتهجم علیه، فستره الله تعالى عن عیونهم وهو یمشی بینهم.(33) کلّ هذه الحالات تمثل قوانین طبیعیة عطّلت لحمایة شخص، کانت الحکمة الربانیة تقتضی الحفاظ على حیاته، فلیکن قانون الشیخوخة والهرم من تلک القوانین.

وقد یمکن أن نخرج من ذلک بمفهوم عام وهو أنه کلّما توقّف الحفاظ على حیاة حجة لله فی الأرض على تعطیل قانون طبیعی، وکانت إدامة حیاة ذلک الشخص ضروریة لإنجاز مهمّته التی أعدّ لها، تدخّلت العنایة الربانیة فی تعطیل ذلک القانون لإنجاز مهمته التی أعدّ لها، وعلى العکس إذا کان الشخص قد انتهت مهمته التی أعدّ لها ربانیاً فإنه سیلقى حتفه ویموت أو یستشهد وفقاً لما تقرّره القوانین الطبیعیة.

ونواجه عادة بمناسبة هذا المفهوم العام السؤال التالی: کیف یمکن أن یتعطّل القانون؟(34) وکیف تنفصم العلاقة الضروریة التی تقوم بین الظواهر الطبیعیة؟ وهل هذه إلاّ مناقضة للعلم الذی اکتشف ذلک القانون الطبیعی، وحدّد هذه الععلاقة الضروریة على أسس تجریبیة واستقرائیة؟!

والجواب: أنّ العلم نفسه قد أجاب عن هذا السؤال بالتنازل عن فکرة الضرورة فی القانون الطبیعی، وتوضیح ذلک: إنّ القوانین الطبیعیة یکتشفها العلم على أساس التجربة والملاحظة المنتظمة، فحین یطّرد وقوع ظاهرة طبیعیة عقیب ظاهرة أخرى یستدلّ بهذا الاطّراد على قانون طبیعی، وهو أنّه کلّما وجدت الظاهرة الأولى وجدت الظاهرة الثانیة عقیبها، غیر أنّ العلم لا یفترض فی هذا القانون الطبیعی علاقة ضروریة بین الظاهرتین نابعة من صمیم هذه الظاهرة وذاتها، وصمیم تلک وذاتها; لأنّ الضرورة حالة غیبیة، لا یمکن للتجربة ووسائل البحث الاستقرائی والعلمی إثباتها، ولهذا فإنّ منطق العلم الحدیث یؤکد أنّ القانون الطبیعی - کما یعرّفه العلم - لا یتحدّث عن علاقة ضروریة، بل عن اقتران مستمر بین ظاهرتین،(35) فإذا جاءت المعجزة وفصلت إحدى الظاهرتین عن الأخرى فی قانون طبیعی لم یکن ذلک فصماً لعلاقة ضروریة بین الظاهرتین.

والحقیقة أنّ المعجزة بمفهومها الدینیّ، قد أصبحت فی ضوء المنطق العلمی الحدیث مفهومة بدرجة أکبر مما کانت علیه فی ظلّ وجهة النظر الکلاسیکیة إلى علاقات السببیّة.

فقد کانت وجهة النظر القدیمة تفترض أنّ کلّ ظاهرتین اطّرد اقتران إحداهما بالأخرى فالعلاقة بینهما علاقة ضرورة، والضرورة تعنی أنّ من المستحیل أن تنفصل إحدى الظاهرتین عن الأخرى، ولکن هذه العلاقة تحوّلت فی منطق العلم الحدیث إلى قانون الاقتران أو التتابع المطّرد(36) بین الظاهرتین دون افتراض تلک الضرورة الغیبیّة.

وبهذا تصبح المعجزة حالة استثنائیة لهذا الاطّراد فی الاقتران أو التتابع دون أن تصطدم بضرورة أو تؤدّی إلى استحالة.

وأما على ضوء الأسس المنطقیة للاستقراء،(37) فنحن نتّفق مع وجهة النظر العلمیة الحدیثة، فی أنّ الاستقراء لا یبرهن على علاقة الضرورة بین الظاهرتین، ولکنّا نرى أنّه یدلّ على وجود تفسیر مشترک لا طّراد التقارن أو التعاقب بین الظاهرتین باستمرار، وهذا التفسیر المشترک کما یمکن صیاغته على أساس افتراض الضرورة الذاتیة، کذلک یمکن صیاغته على أساس افتراض حکمة دعت منظّم الکون إلى ربط ظواهر معیّنة بظواهر أخرى باستمرار، وهذه الحکمة نفسها تدعو أحیاناً إلى الاستثناء فتحدث المعجزة.

المبحث الثالث

لماذا کلّ هذا الحرص على إطالة عمره]عج[؟

ونتناول الآن السؤال الثانی، وهو یقول:

لماذ کلّ هذا الحرص من الله سبحانه وتعالى على هذا الإنسان بالذات، فتعطّل من أجله القوانین الطبیعیة لإطالة عمره؟ ولماذا لا تترک قیادة الیوم الموعود لشخص یتمخّض عنه المستقبل، وتنضجه إرهاصات الیوم الموعود فیبرز على الساحة ویمارس دوره المنتظر.

وبکلمة أخرى: ما هی فائدة هذه الغیبة الطویلة وما المبرّر لها؟

وکثیر من الناس یسألون هذا السؤال وهم لا یریدون أن یسمعوا جواباً غیبیاً، فنحن نؤمن بأنّ الأئمّة الاثنی عشر مجموعة فریدة(38) لا یمکن التعویض عن أی واحد منهم، غیر أنّ هؤلاء المتسائلین یطالبون بتفسیر اجتماعی للموقف، على ضوء الحقائق المحسوسة لعملیة التغییر الکبرى نفسها والمتطلّبات المفهومة للیوم الموعود.

وعلى هذا الأساس نقطع النظر مؤقّتاً عن الخصائص التی نؤمن بتوفّرها فی هؤلاء الأئمّة المعصومین،(39) ونطرح السؤال التالی:

إننا بالنسبة إلى عملیة التغییر المرتقبة فی الیوم الموعود، بقدر ما تکون مفهومة على ضوء سنن الحیاة وتجاربها، هل یمکن أن نعتبر هذا العمر الطویل لقائدها المدّخر عاملاً من عوامل إنجاحها، وتمکّنه من ممارستها وقیادتها بدرجة أکبر؟

ونجیب عن ذلک بالإیجاب، وذلک لعدة أسباب منها ما یلی:

إنّ عملیة التغییر الکبرى تتطلّب وضعاً نفسیاً فریداً فی القائد الممارس لها، مشحوناً بالشعور... بالتفوّق والإحساس بضآلة الکیانات الشامخة التی أعدّ للقضاء علیها، وتحویلها حضاریّاً إلى عالم جدید.

فبقدر ما یعمر قلب القائد المغیّر من شعور بتفاهة الحضارة التی یصارعها، وإحساس واضح بأنها مجرّد نقطة على الخط الطویل لحضارة الإنسان، یصبح أکثر قدرة من الناحیة النفسیة(40) على مواجهتها والصمود فی وجهها ومواصلة العمل ضدّها حتى النصر. ومن الواضح أنّ الحجم المطلوب من هذا الشعور النفسی یتناسب مع حجم التغییر نفسه، وما یراد القضاء علیه من حضارة وکیان، فکلما کانت المواجهة لکیان أکبر ولحضارة أرسخ وأشمخ، تطلّب زخماً أکبر من هذا الشعور النفسی المفعم.

ولما کانت رسالة الیوم الموعود تغییر عالم ملیء بالظلم وبالجور، تغییراً شاملاً بکلّ قیمه الحضاریة وکیاناته المتنوّعة، فمن الطبیعی أن تفتش هذه الرسالة عن شخص أکبر فی شعوره النفسی من ذلک العالم کله، عن شخص لیس من موالید ذلک العالم الذین نشأوا فی ظل تلک الحضارة التی یراد تقویضها واستبدال حضارة العدل والحق بها; لأنّ من ینشأ فی ظل حضارة راسخة، تعمر الدنیا بسلطانها وقیمها وأفکارها، یعیش فی نفسه الشعور بالهیبة تجاهها; لأنّه ولد وهی قائمة، ونشأ صغیراً وهی جبّارة، وفتح عینیه على الدنیا فلم یجد سوى أو جهها المختلفة.

وخلافاً لذلک، شخص یتوغّل فی التاریخ عاش الدنیا قبل أن ترى تلک الحضارة النور، ورأى الحضارات الکبیرة سادت العالم الواحدة تلو الأخرى ثمّ تداعت وانهارت،(41) رأى ذلک بعینیه ولم یقرأه فی کتاب تاریخ..

ثمّ رأى الحضارة التی یقدّر لها أن تکوّن الفصل الأخیر من قصة الإنسان قبل الیوم الموعود، رآها وهی بذور صغیرة لا تکاد تتبیّن..

ثمّ شاهدها وقد اتّخذت مواقعها فی أحشاء المجتمع البشری تتربّص الفرصة لکی تنمو وتظهر..

ثمّ عاصرها وقد بدأت تنمو وتزحف وتصاب بالنکسة تارة، ویحالفها التوفیق تارة أخرى..

ثمّ واکبها وهی تزدهر وتتعملق وتسیطر بالتدریج على مقدّرات عالم بکامله، فإنّ شخصاً من هذا القبیل عاش کلّ هذه المراحل بفطنة وانتباه کاملین، ینظر إلى هذا العملاق - الذی یرید أن یصارعه - من زاویة ذلک الامتداد التاریخی الطویل الذی عاشه بحسّه، لا فی بطون کتب التاریخ فحسب، ینظر إلیه لا بوصفه قدراً محتوماً، ولا کما کان ینظر (جان جاک روسو)(42) إلى الملکیّة فی فرنسا، فقد جاء عنه أنه کان یرعبه مجرّد أن یتصوّر فرنسا بدون ملک، على الرغم من کونه من الدعاة الکبار فکریّاً وفلسفیّاً إلى تطویر الوضع السیاسی القائم وقتئذ; لأنّ (روسو) هذا نشأ فی ظل الملکیّة، وتنفس هواءها طیلة حیاته، وأما هذا الشخص المتوغّل فی التاریخ، فله هیبة التاریخ، وقوّة التاریخ، والشعور المفعم

بأنّ ما حوله من کیان وحضارة ولید یوم من أیام التاریخ، تهیّأت له الأسباب فوجد، وستتهیأ الأسباب فیزول، فلا یبقى منه شیء کما لم یکن یوجد منه شیء بالأمس القریب أو البعید، وأنّ الأعمار التاریخیة للحضارات والکیانات مهما طالت فهی لیست إلاّ أیاماً قصیرة فی عمر التاریخ الطویل.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 - هذا ردُّ على من یزعم بأنّ العقیدة فی الإمام المهدیّ تورث الخمول والسلبیة، وهو أبلغ ردّ مستفاد من الحدیث الشریف نفسه.
2 - إشارة إلى دولة الإمام (ع) التی أشار إلیها الرسول الأکرم (ص)، راجع: التاج الجامع للأُصول 5: 343.
3 - إشارة إلى الوعد الإلهی فی قوله تعالى: (ونرید أن نمنّ على الذین استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثین). القصص: 5، وأیضاً إشارة إلى قوله تعالى: (لیظهره على الذین کلّه ولو کره المشرکون). التوبة: 33، راجع فی تفسیر الآیتین الإشارة إلى المهدیّ (ع) ینابیع المودّة / القندوزی الحنفی: ص 450.
4 - إشارة إلى بشارة الرسول الأعظم نبیّنا محمد (ص) فی الحدیث الشریف: «إنّ فی أمّتی المهدیّ، یخرج یعیش خسماً أو سبعاً أو تسعاً»، (الشک من الراوی) قال: قلنا: وما ذاک؟ «قال: سنین، قال: فیجیء إلیه الرجل فیقول یا مهدیّ أعطنی أعطنی قال: فیحثی له فی ثوبه ما استطاع أن یحمله». رواه الترمذی. راجع: التاج الجامع للأصول / الشیخ منصور علی ناصف 5: 343، وفیه أکثر من إشارة إلى کون الإمام المهدیّ موجود حیٌّ یعیش فی وسط الأمّة، وأنّ خروجه وعیشه، سبع سنین یعنی ظهوره، وقیام دولته المبارکة التی فیها الخلاص والعدل.
5 - ورد عنه (ع) أنه سیظهر ولیس فی عنقه بیعة لظالم، راجع: الاحتجاج / الطبرسی 2 : 545.|
6 - إشارة إلى أنّ (المهدیّ) لیس مجرد حلم أو فکرة تداعب أفکار المظلومین وتناغی شعورهم، بل هو حقیقة حیّة مجسّدة متشخّصة فى ذات إنسان بعینه، ومن هنا تکون الفکرة ملامسة لوجدانهم، یعیشون بها، ویعیشون لها، ویسهمون فی التحضیر والتهیئة للالتحام فی المعرکة الفاصلة التی سیقودها القائد المنتظر، ولو کانت مجرد حلم أو فکرة، فلیس من المتوقّع أن تکون مثل تلک الصلة الوجدانیة والشعوریة. ومن هنا تتأتّى أهمیة الانتظار، وتبیّن فلسفته وغایاته، وهو فی جملته یتّسق مع حالة الترقّب والإرهاص التی تسبق ظهور المنقذین من الأنبیاء والمصلحین.
7 - اختلفت الآراء وتباینت المواقف من مسألة المهدیّ المنتظر، تبعاً لاختلاف المواقف من مسألة الغیب الدینی والنصوص الدینیة المشهورة والمتواترة، على أنّ هناک إطباقاً بین علماء المسلمین والمحقّقین من أهل الحدیث من السنّة والشیعة على صحة العقیدة بالمهدیّ، وعدم جواز التشکیک بها حتى جاء فی المأثور: «من أنکر المهدیّ فقد کفر...» وقد استوفى هذه المسألة بحثاً الشیخ عبدالمحسن عبّاد فی محاضرته التی نشرتها مجلة الجامعة الإسلامیة / العدد الثالث / 1969 م. وراجع: غایة المأمول شرح التاج الجامع للأصول للشیخ منصور علی ناصف 5 : 343.
8 - هذا تساؤل فریق من الناس، والواقع أنه یمکن تسجیل الملاحظة السریعة الآتیة، وإن کان سیأتی جوابه تفصیلاً:
أ ـ إنه لیس مستحیلاً بالمعنى المنطقیّ; بل هو فی دائرة الإمکان.
ب ـ إنه لیس مستحیلاً عادةً; لوقوع نظائر ذلک فعلاً کما نصّ القرآن الکریم فی مسألة نوح (ع) فی قوله تعالى: (فلبث فیهم ألف سنة إلا خمسین عاماً). العنکبوت: 14.
9 - إنّ تعطیل القوانین الطبیعیة قد حدث مراراً بالنسبة إلى معاجز الأنبیاء (ع)، وهذا أمرٌ ضروریّ من الدین لا مجال لنکرانه فإذا أخبر بذلک من وجب تصدیقه جاز بلا خلاف.
10 - هذا إشارة إلى عقیدة طوائف من إخواننا أهل السنّة. راجع: التاج الجامع للأصول 5 : 360 الهامش.
11 - هذا التساأل أثیر من قبل ویثار الیوم، بأسالیب مختلفة، وکلها تستند إلى موهومات وافتراضات لا تقوم على أساس من العلم، بل هی مجرد تشکیکات، ومحاولات بائسة للفرار من أصل القضیة ولوازمها الضروریة، فهی لا تعدو أن تکون أشبه بتشکیکات المادّیین عندما جوبهوا بأدلة العقل والمنطق والعلم فیما یتعلق بالله تعالى، فلجأوا إلى تساؤلات ساذجة تحکی عدم إیمانهم بما قامت علیه الأدلة الوفیرة، نظیر قولهم: لو کان موجوداً فلماذا لا نراه؟ ولماذا لا یفعل کذا وکیت؟
وهکذا شأن هؤلاء، فعندما جوبهوا بالأدلة المنطقیة والروایات المتواترة فی مسألة المهدیّ المنتظر مما أطبق علیه الخاص والعام وبما لا یسع المرء إنکاره، لجأوا إلى التشکیک فی أنه لم یعرف للحسن العسکری ولدُ، کما اخترعوا أمراً نسبوه زوراً إلى الشیعة من أنهم یقفون على السرداب یومیاً ینادون على إمامهم بالخروج، إلاّ أنّهم اختلفوا فی السرداب فقال قائل منهم: هو فی سامراء، وذهب آخرون إلى أنه فی النجف وثالث فی مکان آخر، وهکذا شأن المنکرین للضرورات تراهم یخبطون خبط عشواء. راجع: معالجتنا فی المقدمة.
12 - لقد أثبت الشیخ المفید فی الإرشاد: ص 346، والشیخ الشعرانی فی الیواقیت والجواهر ج 2 / المبحث 65، ولادة محمد بن الحسن العسکری فی عام 255 هـ، وهما من أجلّة المحقّقین لدى الفریقین، وهذا ما یدحض التشکیکات التی یثیرها بعض أدعیاء العلم، فضلاً على ما یقتضیه الحدیث المتواتر: «الأئمّة اثنا عشر کلهم من قریش»، فهو لا یستقیم إلاّ بما تقرر لدى الإمامیة، وبما التزموا به من إمامة اثنی عشر إماماً کلّهم من العترة الطاهرة، أولهم الإمام علی بن أبی
 
طالب (ع)، وآخرهم المهدیّ. وهؤلاء هم المنصوص علیهم، ویدعم ذلک ویشهد له حدیث الثقلین المتواتر، وحدیث من مات لا یعرف إمام زمانه، فهما لا یستقیمان إلاّ على عقیدة الإمامیة الاثنی عشریة. راجع مناقشة وافیة فی: الأصول العامة للفقه المقارن / العلاّمة محمد تقی الحکیم / بحث حجیة السنّة: ص 145 وما بعدها.
13 - إنّ الذی تعهّد وتکفّل بإعداد النبیّ عیسى (ع)، ووهب النبیّ یحیى الحکم والحکمة وهو صبیّ، کما صرّح القرآن، یمکن أن یتعهّد ویتکفّل بمن أعدّه لتطهیر الأرض من الظلم والجور فی آخر الزمان، کما هو نصّ الخبر المتواتر فی المهدیّ الذی هو من عترة فاطمة وذریّة الحسین (ع). راجع: التاج الجامع للأصول 5 : 341 ـ 343.
14 - إنّ هذه المسألة مرهونة باشتراطاتها الخاصة، وکما تأخّر النبی (ص) إلى زمن ظهوره المبارک لحکم وأمور اقتضتها حکمة المرسل (الله) تعالى على رغم الاحتیاج إلیه، فکذا الأمر هنا. |
15 - سیناقش الشهید الصدر هذه المسألة تفصیلاً.
16 - الواقع ـ وکما سیأتی ـ أنّ علماء الأمّة الإسلامیة أجمعوا على صحة أحادیث المهدیّ (ع)، ولم یشذ إلاّ من هو لیس من أهل المعرفة بالحدیث. راجع: التاج الجامع للأصول 5 : 361.
17 - لقد رأینا صنع (الأبطال) تاریخ أممهم، على أنّ الشهید الصدر (ره) هنا یقدّم فهماً أصیلاً ومهمّاً جداً لحرکة التاریخ ودور الفرد البطل، وأهمیة الظروف الموضوعیة فی ا لتأثیر. وقد أشار توماس کارلیل فی کتابه (الأبطال) إلى دور البطل. راجع کتابه المذکور، ترجمة الدکتور السباعی - مصر - سلسلة الألف کتاب.
18 - فی هذا إشارة إلى أسلحة الدمار (الشامل) فضلاً عن التطور التکنولوجی الذی شمل وسائل الإعلام المرئیة والمسموعة وتأثیراتها الهائلة. إلاّ أننا شهدنا کیف توجد بالمقابل الأسلحة المضادّة التی کثیراً ما تعطّل تلک التأثیرات، وکذلک رأینا تأثیر المعنویات فی إبطال مفعول أسلحة الخصم أو التقلیل من آثارها إلى حدٍّ کبیر جداً، کما حدث فی الثورات والانتفاضات الشعبیة.
19 - ولم تکن مثل هذه الأمور بمتصوّرة سابقاً قبل وقوعها، ولو حدّث بها أحدٌ من الناس قبل تحقّقها فعلاً لعدّ الحدیث مجرّد تخیّلات وأوهام.
20 - الکلام فی وقته دقیق علمیّاً، فهو یقول: إنه ممکن علمیاً، ولکنه لم یکن قد تحقّق فعلاً، والواقع أنّ کثیراً من الإنجازات فی عالم الفضاء، وتسییر المرکبات الفضائیة إلى کواکب وتوابع الأرض وغیرها قد أصبح حقائق فی أواخر القرن العشرین.
21 - نعم، لا یوجد مبرّر علمی واحدٌ یرفض هذه النظریة، بل إنّ علماء الطبّ منشغلون فعلاً بمحاولات حثیثة لإطالة عمر الإنسان، وإنّ هناک عشرات التجارب التی تتمّ فی هذا المجال، وذلک وحده ینهض دلیلاً قویاً على الإمکان النظری أو العملی.
22 - یؤکد الأطباء والدراسات الطبیّة على هذه الملاحظة، وأنّ لدیهم مشاهدات کثیرة فی هذا المجال، ولعلّ هذا هو الذی دفعهم إلى إجراء محاولات وتجارب لإطالة العمر الطبیعی للإنسان، وکالمعتاد کان مسرح التجربة فی البدایة هی الحیوانات لمیسوریة ذلک، وعدم وجود محاذیر أخرى تمنع إجراء مثل تلک التجارب على الإنسان.
23 - هذه التساؤلات التی یثیرها السید الشهید (ص) تهدف إلى ترسیخ حقیقة مهمة، هی أنّ الرسول الأعظم (ص) عندما بشّر (بالمهدیّ)، وهو حالة غیر اعتیادیة فی سیاق البشریة، تنبىء فی جملتها عن تسجیل سبق فی الإمکانیة العملیة، بعد تأکید الإمکانیّة العلمیة، أی لبقاء الإنسان مدةً أطول بکثیر من المعتاد، فإنّ مثل هذا السبق فی التنبیه على حقائق فی هذا الوجود کان قد سجّله القرآن الکریم والحدیث الشریف فی موارد کثیرة جداً فی مسائل الطبیعة والکون والحیاة، راجع: القرآن والعلم الحدیث / الدکتور عبدالرزاق نوفل.
24 - إشارة إلى أنّ هذا من قبیل الإعجاز أیضاً، وهو إفاضة ربانیة خاصة، وهذا أمر لا یسع المسلم إنکاره، بعد أن أخبرت بأمثاله الکتب السماویة، وبالأخص القرآن، کالذی ورد فی شأن عمر النبیّ نوح (ع)، وکذا ما أخبر به القرآن من المغیبات الأخرى، على أنّ کثیراً من أهل السنّة ومن المتصوّفة وأهل العرفان یؤمنون بوقوع الکرامات ومایشبه المعجزات للأولیاء والصلحاء والمقرّبین من حضرة المولى تعالى. راجع: التصوّف والکرامات / الشیخ محمد جواد مغنیّة. وراجع: التاج الجامع للأصول 5 : 228 / کتاب الزهد والرقائق ، الذین تکلّموا فی المهد.
25 - إشارة إلى الآیة المبارکة: (سبحان الذی أسرى بعبده لیلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى...) الإسراء : 1.
26 - إشارة إلى تصمیم المرکبات الفضائیة، ورکوب الفضاء والتوغّل إلى مسافات بعیدة عن أرضنا، وقطعها فی ساعات أو أیام معدودة، وقد أضحت هذه حقائق فی حیاتنا المعاصرة فی أواخر القرن العشرین.
27 - إشارة إلى ما أعدّ للإمام المهدی المنتظر من دور ومهمة تغییریة على مستوى الوجود الإنسانی برمّته کما یشیر الحدیث الصحیح: «یملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً». |
وهذا الدور وهذه المهمة علیهما الإجماع بین علماء الإسلام، والاختلاف حصل فی أمور فرعیة. |
ومن هنا کان التساؤل الذی أثاره السید الشهید (رض) له مبرر منطقی قویّ. |
28 - فی الآیة المبارکة: (فلبث فیهم ألف سنة إلاّ خمسین عاماً). العنکبوت: 14.
29 - السؤال موجّه إلى المسلمین المؤمنین بالقرآن الکریم وبالحدیث النبوی الشریف، وقد روى علماء السنّة لغیر نوح ما هو أکثر من ذلک. راجع تهذیب الأسماء واللغات / النووی 1: 176، ولا یصحّ أن یشکّل أحدٌ بأنّ ذاک أخبر به القرآن فالنصّ قطعیّ الثبوت، وهو یتعلق بالنبیّ المرسل نوح (ع)، أما هنا فلیس لدینا نصّ قطعی، ولا الأمر متعلق بنبیّ.
والجواب: أنّ المهمة أولاً واحدة، وهى تغییر الظلم والفساد، وأنّ الوظیفة کما أوکلت إلى النبیّ، فقد أوکلت هنا إلى من اختاره الله تعالى أیضاً، کما هو لسان الروایات الصحیحة. قال الرسول الأعظم (ص): «لو لم یبق من الدنیا إلاّ یوم الطوّل الله ذلک الیوم حتى یبعث رجلاً من أهل بیتی یملأ الأرض قسطاً وعدلاً...» التاج الجامع للأصول 5 : 343.
وأما من جهة قطعیّة النص، فأحادیث المهدیّ بلغت حدّ االتواتر، وهو موجب للقطع والعلم، فلا فرق فی المقامین، راجع: التاج الجامع للأصول 5 : 341 و 360 فقد نقل التواتر عن الشوکانی، وانتهى المحقّقون من علماء الفریقین إلى القول بأنّ من کفر بالمهدیّ فقد کفر بالرسول محمد (ص)، ولیس ذلک إلاّ بلحاظ أنه ثبت بالتواتر، وأنه من ضرورات الدین، والمنکر لذلک کافر إجماعاً. وراجع: الإشاعة لأشراط الساعة / البرزنجی فی بحثه حول المهدیّ. وقد نقلنا حکایة التواتر فی المقدّمة أیضاً.
30 - أی أنّ الأمر یصبح من قبیل المعجز، وهو ما نطق به القرآن، وجاء فی صحیح السنّة المطهّرة، والإعجاز حقیقة رافقت دعوة الأنبیاء، وادّعاء سفارتهم عن الحضرة الإلهیّة، وهو ما لا یسع المسلم إنکاره أو الشک فیه، بل إنّ غیر المسلم یشارک المسلم فی الاعتقاد بالمعجزات.
31 - إشارة إلى قوله تعالى: (فأوحینا إلى موسى أن اضرب بعصاک البحر فانفلق فکان کلّ فرق کالطّود العظیم) الشعراء : 63.
32 - إشارة إلى قوله تعالى: (وما قتلوه وما صلبوه ولکن شُبِّهَ لهم...) النساء : 157.
33 - راجع: سیرة ابن هشام 2: 127، فقد نقل هذه الحادثة وهی مجمعٌ علیها.
34 - قد یقال: إنّ القانون بصفته قانوناً لابدّ یطّرد، ولا یتصور التعطیل والانخرام، وقد لا حظ بعضهم أنّ الانخرام إنّما هو بقانون آخر، کما هو الأمر بالنسبة إلى قانون الجاذبیة، الذی یستلزم جذب الأشیاء إلى المرکز، ومع ذلک فإنّ الماء یصعد بعملیة الامتصاص فی النباتات من الجذر إلى الأعلى بواسطة الشعیرات، وهذا بحسب قانون آخر هو (الخاصیّة الشعریّة). راجع: القرآن محاولة لفهم عصری / الدکتور مصطفى محمود.
35 - وقد بسط الشهید الصدر القول فی هذه المسألة فی کتابه فلسفتنا فراجع، ص 295 و 299.
36 - راجع: فلسفتنا ص282 وما بعدها.
37 - راجع بسط وشرح النظریة فی "الأسس المنطقیة للاستقراء" حیث توصّل الإمام الشهید الصدر (ره) إلى اکتشاف مهمّ وخطیر على صعید نظریة المعرفة بشکل عام.
38 - إشارة إلى معتقد الإمامیّة الاثنی عشریّة المستند إلى أدلة المعقول والمنقول، وبالأخص إلى حدیث الثقلین المتواتر «إنی ترکت فیکم ما إن تمسّکتم بهما لن تضلوا بعدی أبداً، کتاب الله وعترتی أهل بیتی» . راجع: صحیح مسلم 4 : 1874 وراجع الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 89، قال: ثمّ اعلم أنّ لحدیث التمسّک بذلک طرقاً کثیرة وردت عن نیّف وعشرین صحابیّاً.
وکذلک إلى قوله (ص):«لن یفترقا حتى یردا علیّ الحوض...»، وإلى قوله (ص): «الخلفاء بعدی اثنا عشر کلهم من قریش». ومفاد ذلک کلّه تقریر هذا المعنى.
39 - تحدّث النبیّ الأکرم محمد (ص) کثیراً عن خصائصهم وأدوارهم، ووظیفتهم ومهمّاتهم، وأنهم حملة الشریعة، وسفن النجاة، وأمان الأمّة، وعصمتها من الضلال، کما إلیه الإشارة فی حدیث الثقلین، وحدیث لن یفترقا، وکلاهما یؤکّدان عصمتهم، إذ لا یعقل أنهم عصمة الأمّة من الضلال، وأنهم لن یفترقا عن القرآن المعصوم، وهم غیر معصومین!!
راجع فی هذا المطلب: الأصول العامّة للفقه المقارن / العلاّمة محمد تقی الحکیم / مبحث حجّیة السنّة : ص 169 وما بعدها.
40 - أن یکون القائد التاریخی مهیّئاً نفسیاً ومعدّاً إعداداً مناسباً لأداء المهمة، أمرٌ مفروغ منه، ولو رجعنا إلى القرآن الکریم لوجدناه یتحدّث عن هذه المسألة فی تاریخ الأنبیاء بصورة واضحة جدّاً، وبخاصة فیما یتعلّق بالنبیّ نوح (ع)، وهو أمرٌ یلفت الانتباه والنظر، وربّما یکون للتشابه والاتّفاق فی الدور والمهمة التی أوکلت لهما، کما نبّه الشهید الصدر (ره) إلیه.
راجع: مع الأنبیاء / عفیف عبدالفتاح طبارة.
41 - ویمکن أن تقرّب هذا المعنى بما عشناه وشاهدناه من صعود الاتّحاد السوفیتی وترقّیه حتى صار القطب الثانی فی العالم، وتقاسم هو وأمریکا النفوذ الحضاری والهیمنة السیاسیة، ورکبا معاً أجواء الفضاء، ثمّ شهدنا انهیار الاتّحاد السوفیتی وتفکّک أوصاله بمثل تلک السرعة القیاسیة فی الانهیار، فکم کان لذلک من أثر؟ وکم کان فیه من عبرة؟ وکم فیه من دلالة عمیقة؟
42 - جان جاک روسو (1712 ـ 1778 م) کاتب وفیلسوف فرنسی اعتبره بعض النقّاد الوجه الأبعد نفوذاً فی الأدب الفرنسی الحدیث والفلسفة الحدیثة، وقد مهّدت کتاباته ومقالاته للثورة الفرنسیة، وأشهر مؤلفاته العقد الاجتماعی، راجع: موسوعة المورد / منیر البعلبکیّ 8 : 169.

هل قرأت سورة الکهف؟

وهل قرأت عن أولئک الفتیة الذین آمنوا بربّهم وزادهم الله هدىً؟(43) وواجهوا کیاناً وثنیّاً حاکماً، لا یرحم ولا یتردّد فی خنق أی بذرة من بذور التوحید والارتفاع عن وحدة الشرک، فضاقت نفوسهم ودبّ إلیها الیأس وسدّت منافذ الأمل أمام أعینهم، ولجأوا إلى الکهف یطلبون من الله حلاً لمشکلتهم بعد أن أعیتهم الحلول، وکبر فی نفوسهم أن یظل الباطل یحکم ویظلم ویقهر الحقّ ویصفّی کلّ من یخفق قلبه للحقّ.

هل تعلم ماذا صنع الله تعالى بهم؟

إنه أنامهم ثلاثمئة سنة وتسع سنین(44) فی ذلک الکهف، ثمّ بعثهم من نومهم ودفع بهم إلى مسرح الحیاة، بعد أن کان ذلک الکیان الذی بهرهم بقوّته وظلمه قد تداعى وسقط، وأصبح تاریخاً لا یرعب أحداً ولا یحرّک ساکناً، کلّ ذلک لکی یشهد هؤلاء الفتیة مصرع ذلک الباطل الذی کبر علیهم امتداده وقوّته واستمراره، ویروا انتهاء أمره بأعینهم ویتصاغر الباطل فی نفوسهم.

ولئن تحقّقت لأصحاب الکهف هذه الرؤیة الواضحة بکلّ ما تحمل من زخم وشموخ نفسیّین من خلال ذلک الحدث الفرید الذی مدّد حیاتهم ثلاثمئة سنة، فإنّ الشیء نفسه یتحقّق للقائد المنتظر من خلال عمره المدید الذی یتیح له أن یشهد العملاق وهو قزم، والشجرة الباسقة وهی بذرة، والإعصار وهو مجرد نسمة.(45)

أضف إلى ذلک، أن التجربة التی تتیحها مواکبة تلک الحضارات المتعاقبة، والمواجهة المباشرة لحرکتها وتطوّراتها لها أثر کبیر فی الإعداد الفکری وتعمیق الخبرة القیادیة للیوم الموعود; لأنها تضع الشخص المدّخر أمام ممارسات کثیرة للآخرین بکلّ ما فیها من نقاط الضعف والقوة، ومن ألوان الخطأ والصواب، وتعطی لهذا الشخص قدرة أکبر على تقویم الظواهر الاجتماعیة بالوعی الکامل على أسبابها، وکلّ ملابساتها التاریخیة.

ثمّ إنّ عملیة التغییر المدّخرة للقائد المنتظر تقوم على أساس رسالة معینة هی رسالة الإسلام، ومن الطبیعی أن تتطلب العملیة فی هذه الحالة قائداً قریباً من مصادر الإسلام الأولى، قد بنیت شخصیّته بناءً کاملاً بصورة مستقلة ومنفصلة عن مؤثرات الحضاره التی یقدّر للیوم الموعود أن یحاربها.

وخلافاً لذلک، الشخص الذی یولد وینشأ فی کنف هذه الحضارة وتتفتّح أفکاره ومشاعره فی إطارها، فإنّه لا یتخلّص غالباً من رواسب تلک الحضارة ومرتکزاتها، وإن قاد حملة تغییریّة ضدها.

فلکی یضمن عدم تأثر القائد المدّخر بالحضارة التی أعدّ لاستبدالها، لابدّ أن تکون شخصیته قد بنیت بناءً کاملاً فی مرحلة حضاریة سابقة هی أقرب ما تکون فى الروح العامة ومن ناحیة المبدأ إلى الحالة الحضاریة التی یتجّه الیوم الموعود إلى تحقیقها بقیادته.(46)

المبحث الرابع

کیف اکتمل إعداد القائد المنتظر؟

ونأتی الآن على السؤال الثالث القائل: کیف اکتمل إعداد القائد المنتظر مع أنه لم یعاصر أباه الإمام العسکری إلاّ خمس سنوات تقریباً؟ وهی فترة الطفولة التی لا تکفی لإنضاج شخصیة القائد، فما هی الظروف التی تکامل من خلالها؟

والجواب: إنّ المهدیّ (ع) خلف أباه فی إمامة المسلمین، وهذا یعنی أنه کان إماماً بکلّ ما فی الإمامة من محتوىً فکری وروحی فی وقت مبکر جداً من حیاته الشریفة.

والإمامة المبکّرة ظاهرة سبقهُ إلیها عددٌ من آبائه (ع)، فالإمام محمد بن علی الجواد (ع) تولّى الإمامة وهو فی الثامنة من عمره(47)، والإمام علی بن محمد الهادی تولّى الإمامة وهو فی التاسعة من عمره(48)، والإمام أبو محمد الحسن العسکری(49)والد القائد المنتظر تولّى الإمامة وهو فی الثانیة والعشرین من عمره، ویلاحظ أنّ ظاهرة الإمامة المبکّرة بلغت ذروتها فی الإمام المهدیّ والإمام الجواد، ونحن نسمّیها ظاهرة لأنها کانت بالنسبة إلى عدد من آباء المهدیّ (ع) تشکّل مدلولاً حسیّاً عملیاً عاشه المسلمون، ووعوه فی تجربتهم مع الإمام بشکل وآخر، ولا یمکن أن نُطالب بإثبات لظاهرة من الظواهر أوضح وأقوى من تجربة أُمّة.(50) ونوضح ذلک ضمن النقاط التالیة:

أ - لم تکن إمامة الإمام من أهل البیت مرکزاً من مراکز السلطان والنفوذ التی تنتقل بالوراثة من الأب إلى الابن، ویدعمها النظام الحاکم کإمامة الخلفاء الفاطمیّین، وخلافة الخلفاء العباسیّین، وإنما کانت تکتسب ولاء قواعدها الشعبیة الواسعة عن طریق التغلغل الروحی، والإقناع الفکری لتلک القواعد بجدارة هذه الإمامة لزعامة الإسلام، وقیادته على أُسس روحیة وفکریة.

ب - إنّ هذه القواعد الشعبیة بنیت منذ صدر الإسلام، وازدهرت واتّسعت على عهد الإمامین الباقر والصادق (ع)، وأصبحت المدرسة التی رعاها هذان الإمامان فی داخل هذه القواعد تشکّل تیّاراً فکریاً واسعاً فی العالم الإسلامی، یضم المئات من الفقهاء والمتکلّمین والمفسّرین والعلماء فی مختلف ضروب المعرفة الإسلامیة والبشریة المعروفة وقتئذ، حتى قال الحسن بن علیّ الوشا: إنّی دخلت مسجد الکوفة فرأیت فیه تسعمئة شیخ،(51) کلّهم یقولون حدّثنا جعفر بن محمد.

ج - إنّ الشروط التی کانت هذه المدرسة وما تُمثّله من قواعد شعبیّة فی المجتمع الإسلامی، تؤمن بها وتتقیّد بموجبها فی تعیین الإمام والتعرّف على کفاءته للإمامة، شروط شدیدة; لأنها تؤمن بأنّ الإمام لا یکون إماماً إلاّ إذا کان أعلم علماء عصره.(52)

د - إنّ المدرسة وقواعدها الشعبیة کانت تقدم تضحیات کبیرة فی سبیل الصمود على عقیدتها فی الإمامة; لأنها کانت فی نظر الخلافة المعاصرة لها تشکّل خطّاً عدائیاً، ولو من الناحیة الفکریة على الأقل، الأمر الذی أدّى إلى قیام السلطات وقتئذ وباستمرار تقریباً بحملات من التصفیة والتعذیب، فقُتل من قُتل، وسُجن من سُجن، ومات فی ظلمات المعتقلات المئات. وهذا یعنی أنّ الاعتقاد بإمامة أئمّة أهل البیت کان یکلّفهم غالیاً،(53) ولم یکن له من الإغراءات سوى ما یحسّ به المعتقد أو یفترضه من التقرّب إلى الله تعالى والزلفى عنده.

هـ - إنّ الأئمّة الذین دانت هذه القواعد لهم بالإمامة لم یکونوا معزولین عنها، ولا متقوقعین فی بروج عالیة شأن السلاطین مع شعوبهم، ولم یکونوا یحتجبون عنهم إلاّ أن تحجبهم السلطة الحاکمة بسجن أو نفی، وهذا ما نعرفه من خلال العدد الکبیر من الرواة والمحدّثین عن کلّ واحد من الأئمّة الأحد عشر، ومن خلال ما نقل من المکاتبات التی کانت تحصل بین الإمام ومعاصریه، وما کان الإمام یقوم به من أسفار من ناحیة، وما کان یبثّه من وکلاء فی مختلف أنحاء العالم الإسلامی من ناحیة أخرى، وما کان قد اعتاده الشیعة من تفقّد أئمّتهم وزیارتهم فی المدینة المنوّرة عندما یؤمّون الدیار المقدّسة من کلّ مکان لأداء فریضة الحجّ،(54) کلّ ذلک یفرض تفاعلاً مستمراً بدرجة واضحة بین الإمام وقواعده الممتدّة فی أرجاء العالم الإسلامی بمختلف طبقاتها من العلماء وغیرهم.

و - إنّ الخلافة المعاصرة للأئمّة (ع) کانت تنظر إلیهم وإلى زعامتهم الروحیة والإمامیة بوصفها مصدر خطر کبیر على کیانها ومقدّراتها، وعلى هذا الأساس بذلت کلّ جهودها فی سبیل تفتیت هذه الزعامة، وتحمّلت فی سبیل ذلک کثیراً من السلبیّات، وظهرت أحیاناً بمظاهر القسوة والطغیان حینما اضطرّها تأمین مواقعها إلى ذلک، وکانت حملات الاعتقال والمطاردة مستمرّة للأئمّة(55) أنفسهم على الرغم ممّا یخلّفه ذلک من شعور بالألم أو الاشمئزاز عند المسلمین وللناس الموالین على اختلاف درجاتهم.

إذا أخذنا هذه النقاط الست بعین الاعتبار، وهی حقائق تاریخیة لا تقبل الشکّ، أمکن أن نخرج بنتیجة، وهی: أنّ ظاهرة الإمامة المبکّرة کانت ظاهرة واقعیة ولم تکن وهماً من الأوهام; لأنّ الإمام الذی یبرز على المسرح وهو صغیر فیعلن عن نفسه إماماً روحیّاً وفکریّاً للمسلمین، ویدین له بالولاء والإمامة کلّ ذلک التیّار الواسع، لا بدّ أن یکون على قدر واضح وملحوظ، بل وکبیر من العلم والمعرفة وسعة الأفق والتمکّن من الفقه والتفسیر والعقائد; لأنه لو لم یکن کذلک لما أمکن أن تقتنع تلک القواعد الشعبیة بإمامته، مع ما تقدم من أنّ الأئمّة کانوا فی مواقع تتیح لقواعدهم التفاعل معهم، وللأضواء المختلفة أن تُسلّط على حیاتهم وموازین شخصیّتهم. فهل ترى أنّ صبیّاً یدعو إلى إمامة نفسه وینصّب منها علماً للإسلام وهو على مرأىً ومسمع من جماهیر قواعده الشعبیة، فتؤمن به وتبذل فی سبیل ذلک الغالی من أمنها وحیاتها بدون أن تکلّف نفسها اکتشاف حاله، وبدون أن تهزّها ظاهرة هذه الإمامة المبکّرة لاستطلاع حقیقة الموقف وتقویم هذا الصبیّ الإمام؟(56) وهب أنّ الناس لم یتحرکوا لاستطلاع المواقف، فهل یمکن أن تمرّ المسألة أیّاماً وشهوراً، بل أعواماً دون أن تتکشّف الحقیقة، على الرغم من التفاعل الطبیعی المستمرّ بین الصبیّ الإمام وسائر الناس؟ وهل من المعقول أن یکون صبیّاً فی فکره وعلمه حقّاً، ثمّ لا یبدو ذلک من خلال هذا التفاعل الطویل؟

وإذا افترضنا أنّ القواعد الشعبیة لإمامة أهل البیت لم یُتح لها أن تکتشف واقع الأمر، فلماذا سکتت الخلافة القائمة ولم تعمل لکشف الحقیقة إذا کانت فی صالحها؟ وما کان أیسر ذلک على السلطة القائمة لو کان الإمام الصبیّ صبیّاً فی فکره و ثقافته کما هو المعهود فی الصبیان، وما کان أنجحه من أسلوب أن تقدّم هذا الصبی إلى شیعته وغیر شیعته على حقیقته، وتبرهن على عدم کفاءته للإمامة والزعامة الروحیّة والفکریة. فلئن کان من الصعب الإقناع بعدم کفاءة شخص فی الأربعین أو الخمسین قد أحاط بقدر کبیر من ثقافة عصره لتسلّم الإمامة، فلیس هناک صعوبة فی الإقناع بعدم کفاءة صبیّ اعتیادی مهما کان ذکیّاً وفطناً للإمامة بمعناها الذی یعرفه الشیعة الإمامیون،(57) وکان هذا أسهل وأیسر من الطرق المعقّدة وأسالیب القمع، والمجازفة التی انتهجتها السلطات وقتئذ.

إنّ التفسیر الوحید لسکوت الخلافة المعاصرة عن اللعب بهذه الورقة،(58) هو أنها أدرکت أنّ الإمامة المبکّرة ظاهرة حقیقیّة ولیست شیئاً مصطنعاً.

والحقیقة أنها أدرکت ذلک بالفعل بعد أن حاولت أن تلعب بتلک الورقة فلم تستطع، والتأریخ یحدّثنا عن محاولات من هذا القبیل وفشلها،(59) بینما لم یحدّثنا إطلاقاً عن موقف تزعزعت فیه ظاهرة الإمامة المبکّرة أو واجه فیه الصبیّ الإمام إحراجاً یفوق قدرته أو یزعزع ثقة الناس فیه.

وهذا معنى ما قلناه من أنّ الإمامة المبکّرة ظاهرة واقعیة فی حیاة أهل البیت ولیست مجرّد افتراض، کما أنّ هذه الظاهرة الواقعیة لها جذورها وحالاتها المماثلة فی تراث السماء الذی امتدّ عبر الرسالات والزعامات الربّانیّة

ویکفی مثالاً لظاهرة الإمامة المبکّرة فی التراث الربّانی لأهل البیت (ع) یحیى (ع) إذ قال الله سبحانه وتعالى: (یا یحیى خذ الکتاب بقوّة وآتیناه الحکم صیاً)مریم: 12.

ومتى ثبت أنّ الإمامة المبکّرة ظاهرة واقعیة ومتواجدة فعلاً فی حیاة أهل البیت لم یعد هناک اعتراض فیما یخصّ إمامة المهدیّ (ع) وخلافته لأبیه وهو صغیر(60).

المبحث الخامس

کیف نؤمن بأنّ المهدیّ قد وُجد؟

ونصل الآن إلى السؤال الرابع وهو یقول: هب أنّ فرضیّة القائد المنتظر ممکنة بکلّ ما تستبطنه من عمر طویل، وإمامة مبکّرة، وغیبة صامتة، فإنّ الإمکان لا یکفی للاقتناع بوجوده فعلاً.

فکیف نؤمن فعلاً بوجود المهدیّ؟ وهل تکفی بضع روایات تنقل فی بطون الکتب عن الرسول الأعظم (ص)، للاقتناع الکامل بالإمام الثانی عشر، على الرغم ممّا فی هذا الافتراض من غرابة وخروج عن المألوف؟ بل کیف یمکن أن نثبت أنّ للمهدی وجوداً تاریخیاً حقّاً ولیس مجرد افتراض توفّرت ظروف نفسیة لتثبیته فی نفوس عدد کبیر من الناس؟(61)

والجواب: إنّ فکرة المهدیّ بوصفه القائد المنتظر لتغییر العالم إلى الأفضل قد جاءت فی أحادیث الرسول الأعظم عموماً، وفی روایات أئمّة أهل البیت خصوصاً، وأکّدت فی نصوص کثیرة بدرجة لا یمکن أن یرقى إلیها الشکّ. وقد أحصی أربعمئة حدیث عن النبیّ (ص) من طرق إخواننا أهل السنّة،(62) کما أُحصی مجموع الأخبار الواردة فی الإمام المهدیّ من طرق الشیعة والسنّة فکان أکثر من ستة آلاف روایة،(63) وهذا رقم إحصائی کبیر لا یتوفّر نظیره فی کثیر من قضایا الإسلام البدیهیة التی لا یشکّ فیها مسلم عادة.

وأما تجسید هذه الفکرة فی الإمام الثانی عشر علیه الصلاة والسلام فهذا ما توجد مبرّرات کافیة وواضحة للاقتناع به.

ویمکن تلخیص هذه المبرّرات فی دلیلین:

أحدهما إسلامی.

والآخر علمی.

فبالدلیل الإسلامی نثبت وجود القائد المنتظر.

وبالدلیل العلمی نبرهن على أنّ المهدیّ لیس مجرّد أُسطورة وافتراض، بل هو حقیقة ثبت وجودها بالتجربة التاریخیة.

أما الدلیل الإسلامی:

فیتمثّل فی مئات الروایات الواردة عن رسول الله (ص)(64) والأئمّة من أهل البیت (ع)، والتی تدلُّ على تعیین المهدیّ وکونه من أهل البیت..(65)

ومن ولد فاطمة..(66)

ومن ذریة الحسین..(67)

وأنه التاسع من ولد الحسین..(68)

وأن الخلفاء اثنا عشر.(69) فإنّ هذه الروایات تحدّد تلک الفکرة العامة وتشخیصها فی الإمام الثانی عشر من أئمّة أهل البیت، وهی روایات بلغت درجة کبیرة من الکثرة والانتشار، على الرغم من تحفّظ الأئمّة (ع) واحتیاطهم فی طرح ذلک على المستوى العام، وقایةً لللخلف الصالح من الاغتیال أو الإجهاز السریع على حیاته.(70) ولیست الکثرة العددیة للروایات هی الأساس الوحید لقبولها، بل هناک إضافة إلى ذلک مزایا وقرائن تبرهن على صحّتها، فالحدیث النبوی الشریف عن الأئمّة أو الخلفاء أو الأمراء بعده وأنهم اثنا عشر إماماً أو خلیفةً أو أمیراً - على اختلاف متن الحدیث فی طرقه المختلفة - قد أحصى بعض المؤلفین روایاته فبلغت أکثر من مئتین وسبعین روایة(71) مأخوذة من أشهر کتب الحدیث عند الشیعة والسنّة، بما فی ذلک البخاری(72) ومسلم(73) والترمذی(74) وأبی داود(75)ومسند أحمد(76) ومستدرک الحاکم على الصحیحین،(77) ویلاحظ هنا أنّ البخاری الذی نقل هذا الحدیث کان معاصراً للإمام الجواد والإمامین الهادی والعسکریّ، وفی ذلک مغزىً کبیر; لأنه یبرهن على أنّ هذا الحدیث قد سُجّل عن النبیّ (ص) قبل أن یتحقق مضمونه وتکتمل فکرة الأئمّة الاثنی عشر فعلاً، وهذا یعنی أنه لا یوجد أی مجال للشک فی أن یکون نقل الحدیث متأثراً بالواقع الإمامی الاثنی عشری وانعکاساً له; لأنّ الأحادیث المزیفة التی تنسب إلى النبیّ (ص) ـ وهی انعکاسات أو تبریرات لواقع متأخر زمنیاً ـ لا تسبق فی ظهورها وتسجیلها فی کتب الحدیث ذلک الواقع الذی تشکّل انعکاساً له، فما دمنا قد ملکنا الدلیل المادی على أنّ الحدیث المذکور سبق التسلسل التاریخی للأئمّة الاثنی عشر، وضبط فی کتب الحدیث قبل تکامل الواقع الإمامی الاثنی عشری، أمکننا أن نتأکد من أنّ هذا الحدیث لیس انعکاساً لواقع وإنما هو تعبیر عن حقیقة ربانیة نطق بها من لا ینطق عن هوى،(78) فقال: «إنّ الخلفاء بعدى اثنا عشر»(79). وجاء الواقع الإمامی الاثنی عشری ابتداءً من الإمام علیّ وانتهاءً بالمهدیّ; لیکون التطبیق الوحید المعقول(80) لذلک الحدیث النبوی الشریف.

وأما الدلیل العلمیّ:

فهو یتکوّن من تجربة عاشتها أمّة من الناس فترة امتدّت سبعین سنة تقریباً وهی فترة الغیبة الصغرى. ولتوضیح ذلک نمهد بإعطاء فکرة موجزة عن الغیبة الصغرى.(81)

إنّ الغیبة الصغرى تعبّر عن المرحلة الأولى من إمامة القائد المنتظر علیه الصلاة والسلام، فقد قدّر لهذا الإمام منذ تسلّمه للإمامة أن یستتر عن المسرح العام ویظلُّ بعیداً باسمه عن الأحداث، وإن کان قریباً منها بقلبه وعقله، وقد لوحظ أنّ هذه الغیبة إذا جاءت مفاجئة حقّقت صدمة کبیرة للقواعد الشعبیة للإمامة فی الأمة الإسلامیة; لأنّ هذه القواعد کانت معتادة على الاتّصال بالإمام فی کلّ عصر، والتفاعل معه والرجوع إلیه فی حلّ المشاکل المتنوّعة، فإذا غاب الإمام عن شیعته فجأة وشعروا بالانقطاع عن قیادتهم الروحیة والفکریة، سبّبت هذه الغیبة(82)المفاجئة الإحساس بفراغ دفعی هائل قد یعصف بالکیان کلّه ویشتّت شمله، فکان لابدّ من تمهید لهذه الغیبة; لکی تألفها هذه القواعد بالتدریج، وتکیّف نفسها شیئاً فشیئاً على أساسها، وکان هذا التمهید هو الغیبة الصغرى التی اختفى فیها الإمام المهدیّ عن المسرح العام، غیر أنه کان دائم الصلة بقواعده وشیعته عن طرق وکلائه ونوّابه، والثقات من أصحابه الذین یشکّلون همزة الوصل بینه وبین الناس المؤمنین بخطه الإمامی.(83) وقد شغل مرکز النیابة عن الإمام فی هذه الفترة أربعة ممّن أجمعت تلک القواعد على تقواهم وورعهم ونزاهتهم التی عاشوا ضمنها. وهم کما یلی:

1 - عثمان بن سعید العمریّ.

2 - محمد بن عثمان بن سعید العمریّ.

3 - أبوالقاسم الحسین بن روح.

4 - أبوالحسن علیّ بن محمد السمریّ.

وقد مارس هؤلاء الأربعة(84) مهامّ النیابة بالترتیب المذکور، وکلما مات أحدهم خلفه الآخر الذی یلیه بتعیین من الإمام المهدیّ (ع).

وکان النائب یتصل بالشیعة ویحمل أسئلتهم إلى الإمام، ویعرض مشاکلهم علیه، ویحمل إلیهم أجوبته شفهیة أحیاناً وتحریریّة(85) فی کثیر من الأحیان، وقد وجدت الجماهیر التی فقدت رؤیة إمامها العزاء والسلوة فی هذه المراسلات والاتّصالات غیر المباشرة. ولا حظت أنّ کلّ التوقعیات والرسائل کانت ترد من الإمام المهدیّ (ع) بخطّ واحد وسلیقة واحدة(86) طیلة نیابة النواب الأربعة التی استمرت حوالی سبعین عاماً، وکان السمّریّ هو آخر النواب، فقد أعلن عن انتهاء مرحلة الغیبة الصغرى التی تتمیز بنوّاب معیّنین، وابتداء الغیبة الکبرى التی لایوجد فیها أشخاص معیّنون بالذات للوساطة بین الإمام القائد والشیعة، وقد عبّر التحوّل من الغیبة الصغرى إلى الغیبة الکبرى عن تحقیق الغیبة الصغرى لأهدافها وانتهاء مهمتها; لأنها حصّنت الشیعة بهذه العملیة التدریجیة عن الصدمة والشعور بالفراغ الهائل بسبب غیبة الإمام، واستطاعت أن تکیّف وضع الشیعة على أساس الغیبة، وتعدّهم بالتدریج لتقبّل فکرة النیابة العامة عن الإمام، وبهذا تحولت النیابة من أفراد منصوصین(87) إلى خطّ عام(88)، وهو خط المجتهد العادل البصیر بأمور الدنیا والدین تبعاً لتحوّل الغیبة الصغرى إلى غیبة کبرى.

والآن بإمکانک أن تقدّر الموقف فی ضوء ما تقدم، لکی تدرک بوضوح أنّ المهدیّ حقیقة عاشتها أمة من الناس، وعبّر عنها السفراء والنواب طیلة سبعین عاماً من خلال تعاملهم من الآخرین، ولم یلحظ علیهم أحدٌ کلّ هذه المدة تلاعباً فی الکلام، أو تحایلاً فی التصرف، أو تهافتاً فی النقل. فهل تتصور - بربّک - أنّ بإمکان أکذوبة أن تعیش سبعین عاماً، ویمارسها أربعة على سبیل الترتیب کلهم یتّفقون علیها، ویظلّون یتعاملون على أساسها وکأنها قضیة یعیشونها بأنفسهم ویرونها بأعینهم دون أن یبدر منهم أی شیء یثیر الشکّ، ودون أن یکون بین الأربعة علاقة خاصة متمیزة تتیح لهم نحواً من التواطؤ، ویکسبون من خلال ما یتّصف به سلوکهم من واقعیة ثقة الجمیع، وإیمانهم بواقعیة القضیة التی یدّعون أنهم یحسّونها ویعیشون معها؟!

لقد قیل قدیماً: إنّ حبل الکذب قصیر، ومنطق الحیاة یثبت أیضاً أنّ من المستحیل عملیّاً بحساب الاحتمالات أن تعیش أکذوبة بهذا الشکل، وکلّ هذه المدّة، وضمن کلّ تلک العلاقات والأخذ والعطاء، ثمّ تکسب ثقة جمیع من حولها.

وهکذا نعرف أنّ ظاهرة الغیبة الصغرى یمکن أن تعتبر بمثابة تجربة علمیة لإثبات ما لها من واقع موضوعیّ، والتسلیم بالإمام القائد بولادته(89) وحیاته وغیبته، وإعلانه العام عن الغیبة الکبرى التی استتر بموجبها عن المسرح ولم یکشف نفسه لأحد.(90)

المبحث السادس

لماذا لم یظهر القائد إذن؟

لماذا لم یظهر القائد إذن طیلة هذه المدة؟ وإذا کان قد أعدّ نفسه للعمل الاجتماعی، فما الذی منعه عن الظهور على المسرح فی فترة الغیبة الصغرى أو فی أعقابها بدلاً عن تحویلها إلى غیبة کبرى، حیث کانت ظروف العمل الاجتماعی والتغییری وقتئذ أبسط وأیسر، وکانت صلته الفعلیة بالناس من خلال تنظیمات الغیبة الصغرى تتیح له أن یجمع صفوفه ویبدأ عمله بدایة قویّة، ولم تکن القوى الحاکمة من حوله قد بلغت الدرجة الهائلة من القدرة والقوة التی بلغتها الإنسانیة بعد ذلک من خلال التطوّر العلمی والصناعی؟

والجواب: أنّ کلّ عملیة تغییر اجتماعی یرتبط نجاحها بشروط وظروف موضوعیة لا یتأتّى لها أن تحقّق هدفها إلاّ عندما تتوفر تلک الشروط والظروف.

وتتمیز عملیات التغییر الاجتماعی التی تفجّرها السماء على الأرض بأنها لا ترتبط فی جانبها الرسالی بالظروف الموضوعیة;(91)لأنّ الرسالة التی تعتمدها عملیة التغییر هنا ربّانیّة، ومن صنع السماء لا من صنع الظروف الموضوعیة، ولکنها فی جانبها التنفیذی تعتمد الظروف الموضوعیة ویرتبط نجاحها وتوقیتها بتلک الظروف. ومن أجل ذلک انتظرت السماء مرور خمسة قرون من الجاهلیة حتى أنزلت آخر رسالاتها على ید النبیّ محمد (ص); لأنّ الارتباط بالظروف الموضوعیة للتنفیذ کان یفرض تأخّرها على الرغم من حاجة العالم إلیها منذ فترة طویلة قبل ذلک.

والظروف الموضوعیة التی لها أثر فی الجانب التنفیذی من عملیة التغییر، منها ما یشکّل المناخ المناسب والجو العام للتغییر المستهدف، ومنها ما یشکّل بعض التفاصیل التی تتطلّبها حرکة التغییر من خلال منعطفاتها التفصیلیة.

فبالنسبة إلى عملیة التغییر التی قادها - مثلاً - لینین فی روسیا بنجاح، کانت ترتبط بعامل من قبیل قیام الحرب العالمیة الأولى وتضعضع القیصریة، وهذا ما یساهم فی إیجاد المناخ المناسب لعملیة التغییر، وکانت ترتبط بعوامل أخرى جزئیة ومحدودة من قبیل سلامة لینین مثلاً فی سفره الذی تسلّل فیه إلى داخل روسیا وقاد الثورة، إذ لو کان قد اتّفق له أی حادث یعیقه لکان من المحتمل أن تفقد الثورة بذلک قدرتها على الظهور السریع على المسرح.

وقد جرت سنة الله تعالى التی لا تجد لها تحویلاً فی عملیات التغییر الربّانی على التقیّد من الناحیة التنفیذیة بالظروف الموضوعیة التی تحقّق المناخ المناسب والجو العام لإنجاج عملیة التغییر، ومن هنا لم یأت الإسلام إلاّ بعد فترة من الرسل وفراغ مریر استمرّ قروناً من الزمن.

فعلى الرغم من قدرة الله - سبحانه وتعالى - على تذلیل کل العقبات والصعاب فی وجه الرسالة الربّانیة وخلق المناخ المناسب لها خلقاً بالإعجاز، لم یشأ أن یستعمل هذا الأسلوب; لأنّ الامتحان والابتلاء والمعاناة التی من خلالها یتکامل الإنسان یفرض على العمل التغییری الربّانی أن یکون طبیعیّاً وموضوعیّاً من هذه الناحیة، وهذا لا یمنع من تدخّل الله - سبحانه وتعالى - أحیاناً فیما یخصّ بعض التفاصیل التی لا تکوّن المناخ المناسب، وإنما قد یتطلّبها أحیاناً التحرک ضمن ذلک المناخ المناسب، ومن ذلک الإمدادات والعنایات الغیبیة التی یمنحها الله تعالى لأولیائه فی لحظات حرجة فیحمی بها الرسالة، وإذا بنار نمرود تصبح برداً وسلاماً على إبراهیم،(92) وإذا بید الیهودیّ الغادر التی ارتفعت بالسیف على رأس النبیّ (ص) تُشلّ وتفقد قدرتها على الحرکة،(93) وإذا بعاصفة قویة تجتاح مخیّمات الکفّار والمشرکین الذین أحدقوا بالمدینة فی یوم الخندق وتبعث فی نفوسهم الرعب،(94) إلاّ أنّ هذا کلّه لا یعدو التفاصیل وتقدیم العون فی لحظات حاسمة بعد أن کان الجو المناسب والمناخ الملائم لعملیة التغییر على العموم قد تکوّن بالصورة الطبیعیة ووفقاً للظروف الموضوعیة.

وعلى هذا الضوء ندرس موقف الإمام المهدیّ (ع) لنجد أنّ عملیة التغییر التی أعدّ لها ترتبط من الناحیة التنفیذیة کأی عملیة تغییر اجتماعی أخرى بظروف موضوعیة تساهم فی توفیر المناخ الملائم لها، ومن هنا کان من الطبیعی أن تُوقّت وفقاً لذلک. ومن المعلوم أنّ المهدیّ لم یکن قد أعدّ نفسه لعمل اجتماعی محدود، ولا لعملیة تغییر تقتصر على هذا الجزء من العالم أو ذاک; لأنّ رسالته التی ادّخر لها من قبل الله - سبحانه وتعالى - هی تغییر العالم تغییراً شاملاً، وإخراج البشریة کلّ البشریّة، من ظلمات الجور إلى نور العدل،(95) وعملیة التغییر الکبرى هذه لا یکفی فی ممارستها مجرد وصول الرسالة والقائد الصالح، وإلاّ لتمّت شروطها فی عصر النبوة بالذات، وإنما تتطلّب مناخاً عالمیاً مناسباً، وجوّاً عاماً مساعداً، یحقّق الظروف الموضوعیة المطلوبة لعملیة التغییر العالمیة.

فمن الناحیة البشریة یعتبر شعور إنسان الحضارة بالنفاد عاملاً أساسیاً فی خلق ذلک المناخ المناسب لتقبّل رسالة العدل الجدیدة، وهذا الشعور بالنفاد یتکوّن ویترسّخ من خلال التجارب الحضاریة المتنوعة، التی یخرج منها إنسان الحضارة مثقلاً بسلبیات ما بنى، مدرکاً حاجته إلى العون، متلفّتاً بفطرته إلى الغیب أو إلى المجهول.

ومن الناحیة المادیة یمکن أن تکون شروط الحیاة المادیة الحدیثة أقدر من شروط الحیاة القدیمة فی عصر کعصر الغیبة الصغرى على إنجاز الرسالة على صعید العالم کلّه، وذلک بما تحقّقه من تقریب المسافات، والقدرة الکبیرة على التفاعل بین شعوب الأرض، وتوفیر الأدوات والوسائل التی یحتاجها جهاز مرکزی لممارسة توعیة لشعوب العالم وتثقیفها على أساس الرسالة الجدیدة.

وأما ما أشیر إلیه فی السؤال من تنامی القوى والأداة العسکریة التی یُواجهها القائد فی الیوم الموعود کلّما أُجّل ظهوره، فهذا صحیح، ولکن ماذا ینفع نمو الشکل المادی للقوة مع الهزیمة النفسیة من الداخل، وانهیار البناء الروحی للإنسان الذی یملک کلّ تلک القوى والأدوات؟ وکم من مرة فی التاریخ انهار بناءٌ حضاری شامخ بأول لمسة غازیة; لأنه کان منهاراً قبل ذلک، وفاقداً الثقة بوجوده والقناعة بکیانه والاطمئنان إلى واقعه.(96)

المبحث السابع
وهل للفرد کلّ هذا الدور؟!

ونأتی إلى سؤال آخر فی تسلسل الأسئلة المتقدمة، وهو السؤال الذی یقول: هل للفرد ـ مهما کان عظیماً ـ القدرة على إنجاز هذا الدور العظیم؟ وهل الفرد العظیم إلاّ ذلک الإنسان الذی ترشّحه الظروف لیکون واجهةً لها فی تحقیق حرکتها؟

والفکرة فی هذا السؤال ترتبط بوجهة نظر معیّنة للتاریخ تفسّره على أساس أنّ الإنسان عامل ثانوی(97) فیه، والقوى الموضوعیة المحیطة به هی العامل الأساسی، وفی إطار ذلک لن یکون الفرد فی أفضل الأحوال إلاّ التعبیر الذکی عن اتّجاه هذا العامل الأساسی.

ونحن قد أوضحنا فی مواضع أخر من کتبنا المطبوعة(98) أنّ التاریخ یحتوی على قطبین: أحدهما الإنسان، والآخر القوى المادیة المحیطة به. وکما تؤثر القوى المادیة وظروف الإنتاج والطبیعة فی الإنسان، یؤثر الإنسان أیضاً فیما حوله من قوىً وظروف، ولا یوجد مبرّر لافتراض أنّ الحرکة تبتدئ من المادة وتنتهی بالإنسان إلاّ بقدر ما یوجد مبرر لافتراض العکس، فالإنسان والمادة یتفاعلان على مرّ الزمن، وفی هذا الإطار بإمکان الفرد أن یکون أکبر من ببغاء فی تیار التاریخ، وبخاصة حین نُدخل فی الحساب عامل الصلة بین هذا الفرد والسماء.(99) فإن هذه الصلة تدخل حینئذ کقوة موجّهة لحرکة التاریخ. وهذا ما تحقّق فی تاریخ النبوّات، وفی تاریخ النبوّة الخاتمة بوجه خاصّ، فإنّ محمّداً(ص) بحکم صلته الرسالیة بالسماء تسلّم بنفسه زمام الحرکة التاریخیة، وأنشأ مدّاً حضاریّاً لم یکن بإمکان الظروف الموضوعیة التی کانت تحیط به أن تتمخّض عنه بحال من الأحوال، کما أوضحنا ذلک فی المقدمة الثانیة للفتاوى الواضحة(100).

وما أمکن أن یقع على ید الرسول الأعظم یمکن أن یقع على ید القائد المنتظر من أهل بیته الذی بشّر(101) به ونوّه عن دوره العظیم.

المبحث الثامن
ماهی طریقة التغییر فی الیوم الموعود؟

ونصل فی النهایة إلى السؤال الأخیر من الأسئلة التی عرضناها، هو السؤال عن الطریقة التی یمکن أن نتصوّر من خلالها ما سیتمُّ على ید ذلک الفرد من انتصار حاسم للعدل، وقضاء على کیانات الظلم المواجهة له.

والجواب المحدّد عن هذا السؤال یرتبط بمعرفة الوقت والمرحلة التی یقدّر للإمام المهدیّ (ع) أن یظهر فیها على المسرح، وإمکان افتراض ما تتمیز به تلک المرحلة من خصائص وملابسات لکی تُرسم فی ضوء ذلک الصورة التی قد تتّخذها عملیة التغییر، والمسار الذی قد تتحرک ضمنه، وما دمنا نجهل المرحلة ولا نعرف شیئاً عن ملابساتها وظروفها فلا یمکن التنبّؤ العلمی بما سیقع فی الیوم الموعود، وإن أمکنت الافتراضات والتصوّرات التی تقوم فی الغالب على أساس ذهنی لا على أسس واقعیة عینیة.

وهناک افتراض أساسی واحد بالإمکان قبوله على ضوء الأحادیث التی تحدثت عنه،(102) والتجارب التی لوحظت لعملیات التغییر الکبرى فی التاریخ، وهو افتراض ظهور المهدیّ (ع) فی أعقاب فراغ کبیر یحدث نتیجة نکسة وأزمة حضاریة خانقة.(103) وذلک الفراغ یتیح المجال للرسالة الجدیدة أن تمتدّ، وهذه النکسة تهیّء الجو النفسی لقبولها، ولیست هذه النکسة مجرد حادثة تقع صدفة فی تاریخ الحضارة الإنسانیة، وإنما هی نتیجة طبیعیة لتناقضات التاریخ المنقطع عن الله - سبحانه وتعالى - التی لا تجدُ لها فی نهایة المطاف حلاًّ حاسماً فتشتعل النار التی لا تُبقی ولا تذر، ویبرز النور فی تلک اللحظة; لیطفئ النار ویقیم على الأرض عدل السماء.

والحمد الله ربّ العالمین والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرین. وقد وقع الابتداء فی کتابة هذه الوریقات فی الیوم الثالث عشر من جمادى الثانیة سنة 1397 هـ، ووقع الفراغ منها عصر الیوم السابع عشر من الشهر نفسه.

والله ولی التوفیق.

محمد باقر الصدر - النجف الأشرف

تمّ الفراغ من تحقیق هذا الکتاب فی شهر رجب المرجّب من سنة 1416 هـ، وذلک فی قم المقدسة.

الدکتور عبدالجبار شرارة

 

ــــــــــــــــــــــــــــ
43 - إشارة إلى الآیة القرآنیة المبارکة: (إنهم فتیةٌ آمنوا بربّهم وزدناهم هدىً...)الکهف: 13، وراجع تفسیرها فی الکشّاف / الزمخشری 2: 706، نشر دار الکتاب العربی ـ بیروت.
44 - إشارة إلى الآیة: (ولبثوا فى کهفهم ثلاث مائة سنین وازدادو تسعاً...)الکهف: 25.
45 - وکلّ ذلک له مدخلیّة فی تربیته وإعداده الإعداد الخاص، بما فی ذلک امتلاکه النظرة الشمولیة العمیقة، فضلاً عن شهوده بنفسه ضآلة أولئک المتعملقین الذین یملؤون الدنیا ضجیجاً وصخباً، ویسترهبون الناس، وهذا الشهود یؤهّله أکثر فأکثر لأداء مهمته الکونیة فی التغییر، أی ملئه للأرض عدلاً بعدما ملئت ظلماً، هذا بغمض النظر عن مؤهّلاته الذاتیة، والعنایة الربّانیّة الخاصة.
46 - ولا ینبغی أن یُشکِل أحدٌ بأنّ النبیّ محمد (ص) مع عالمیة رسالته ومهمّته التغییریة الکبرى، إلاّ أنه عاش فی کنف الحضارة الجاهلیة، ولم یتأثر بها، وکذا الأنبیاء السابقون، فما هو الوجه فی هذا الرأی؟
فجوابه:
أ - إنّ النبیّ (ص) قد أخضع فعلاً إلى حالة عزلة تامة عن الحضارة الجاهلیة، وأنه کما ورد فی السیرة النبویة قد حبّب إلیه الخلاء، وکان یذهب إلى غار حراء یتحنّث فیه، وکذا الأنبیاء کانوا یتنزّهون عمّا علیه مجتمعهم، وکانوا یعتزلون، وإلیه الإشارة فی قوله تعالى: (فلمّا اعتزلهم وما یعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق) مریم : 49.
ب ـ إنّ النبیّ المرسل یوحى إلیه، ویسدّد مباشرة من السماء، ویبلّغ بالأعمال والخطوات التی یتخّذها خطوةً، والإمام (ع) لا یوحى إلیه ـ کما هو عقیدة الإمامیة ـ، ولا یبلّغ بالأمور مباشرة من السماء، نعم یکون مسدّداً وتحت العنایة
 
الربانیّة، ولذلک فهو یحتاج إلى إعداد خاص. ففی نفس الوقت الذی یکون فیه قریباً ومتّصلاً بالحضارة الإسلامیة، مستمدّاً من آبائه (ع) الأصالة والمعرفة والعلم، یکون مطّلعاً على التجارب البشریة والحضارات فی صعودها وعوامل تکوّنها وقوّتها، وکذلک إخفاقاتها وعوامل ضعفها وانهیارها، فیستمد الخبرة والقدرة والإحاطة بالأمور جمیعاً، هذا مع اعتقادنا بقدرات الإمام العلمیة الذاتیة التی وهبها الله تعالى له، وبکونه مسدّداً من السماء، کما سیتوضّح فی المبحث الرابع.
47 - راجع: الفصول المهمّة لابن الصباغ المالکیّ المکّیّ (ت / 855 هـ). وراجع: الإرشاد / الشیخ المفید: ص 316 وما بعدها.
48 - راجع: التتمّة فی تواریخ الأئمّة / السید تاج الدین العاملی من أعلام القرن الحادی عشر الهجری، نشر مؤسّسة البعثة - قم. وراجع: الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 123 ـ 124، إذ ذکر طرفاً من سیرة الإمام وکراماته.
49 - راجع: التتمّة فی تواریخ الأئمّة / السید تاج الدین العاملی من أعلام القرن الحادی عشر الهجری، نشر مؤسسة البعثة ـ قم. وراجع: الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 123 ـ 124، إذ ذکر طرفاً من سیرة الإمام وکراماته.
50 - راجع: الإرشاد / الشیخ المفید: ص 319 وما بعدها. والصواعق المحرقة: ص 123 ـ 124.
فقد أوردا قصة المحاورة التی دارت بین الإمام الجواد (ع) ویحیى بن أکثم زمن المأمون، وکیف استطاع الإمام (ع) أن یثبت أعلمیّته وقدرته على إفحام الخصم وهو فی تلک السن المبکّرة.
51 - راجع: المجالس السنیّة / السید الأمین العاملی 5: 209، وهذه قضیة مشهورة تناقلها الخاص والعام. وراجع: صحاح الأخبار / محمد سراج الدین الرفاعی: ص 44، نقلاً عن الإمام الصادق والمذاهب الأربعة / أسد حیدر 1: 56. وقال ابن حجر فی الصواعق المحرقة ص 120: "جعفر الصادق، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الرکبان، وانتشر صیته فی جمیع البلدان، وروى عنه الأئمّة الأکابر کیحیى بن سعید وابن جریج ومالک والسفیانین وأبی حنیفة وشعبة وأیوب السختیانی...".
52 - کون الإمام أعلم أهل زمانه أمرٌ متسالم علیه عند الإمامیة. راجع: الباب الحادی عشر / العلاّمة الحلّیّ، هذا وقد عُرّضوا لأکثر من اختبار صلوات الله وسلامه علیهم لإثبات هذا المدّعى، ونجحوا فیه.
راجع: الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 123، فقد نقل تفصیلاً فی هذه المسألة عن مسائل یحیى بن أکثم للإمام الجواد (ع).
53 - إنّ الاعتقاد بإمامة الأئمّة کلّف أتباعهم غالیاً، وهذا ثابت تاریخیاً، ولیس إلى إنکاره من سبیل، والشاهد یدلّ على الغائب أیضاً. راجع: مقاتل الطالبیّین لأبی الفرج الأصفهانی.
54 - وقد أوصى الأئمّة بذلک أتباعهم کما هو لسان الروایات الکثیرة.
راجع: أصول الکافی 1: 322 / کتاب الحجّة - باب 2 "إنّ الواجب على الناس بعدما یقضون مناسکهم أن یأتوا الإمام فیسألونه عن معالم دینهم، ویعلمونه ولایتهم ومودّتهم له ".
55 - راجع فی تاریخ الأئمة (ع)، وتعرّضهم للاضطهاد والمطاردة والسجن والقتل أحیاناً:
أ ـ الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالکی.
ب ـ مقاتل الطالبیّین لأبی الفرج الأصفهانی.
ج ـ الإرشاد للشیخ المفید.
56 - إشارة إلى الإمام المهدیّ (ع)، ومن قبل إلى الإمام الجواد مثلاً.
57 - أی على أنه یجب أن یکون أفضل الناس، وأعلم الناس کما هو معتقد الإمامیّة الاثنی عشریّة.
راجع: حقّ الیقین فی معرفة أُصول الدین للسید عبدالله شُبّر (ت / 1242 هـ) 1: 141، المقصد الثالث.
58 - یقصد تقدیم الإمام الصبیّ للاختبار أمام الملأ لإظهار حقیقة الأمر.
59 - قد فعل المأمون ذلک، وانکشف لدى الخاصّ من العلماء مدى ما یمتلکه الإمام الجواد (ع) من الفقه والعلم. راجع: الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 123.
60 - وقد شاهد خاصّة الشیعة الإمام المهدیّ واتّصلوا به، وأخذوا عنه، کما حصل عن طریق السفراء الأربعة. راجع: تبصرة الولی فیمن رأى القائم المهدیّ / البحرانی، والإرشاد / الشیخ المفید: ص 345، وراجع تفصیلاً وافیاً فی دفاع عن الکافی / السید ثامر العمیدی 1: 535 وما بعدها.
61 - هذه التساؤلات یطرحها السید الشهید (ص) بصفتها من الإشکالات التی أثیرت وتُثار عادةً حول المهدیّ (ع)، وهی أقصى ما یُثار فی هذا الصدد، حتى أنّ بعض الکتّاب المعاصرین قد أثاروها أخیراً مدفوعین بدوافع غیر علمیة، مصحوبة تلک الإثارة بضجیج مکثّف، ومحاولات بائسة من الوهابیة لترویجها وتبنّیها، ولا تخفى الدوافع بعد ذلک على أحد. وقد أجاب الإمام الشهید بجواب علمی لمن یرید الحقیقة. راجع ما کتبناه فی المقدمة أیضاً.
62 - یلاحظ کتاب (المهدیّ) للسید "العم" الصدر قدّس الله روحه الزکیة. (الشهید الصدر).
راجع: ما أثبته الشیخ العبّاد فی مجلد الجامعة الإسلامیة / العدد 3 سنة 1969.
وراجع: المهدیّ الموعود المنتظر / الشیخ نجم الدین العسکری.
63 - یلاحظ کتاب منتخب الأثر فی الإمام الثانی عشر للشیخ لطف الله الصافی. (الشهید الصدر).
64 - راجع: معجم أحادیث الإمام المهدیّ / مؤسّسة المعارف الإسلامیّة / الجزء الأول ـ أحادیث النبیّ.
65 - أخرج أحمد وابن أبی شیبة وابن ماجة ونعیم بن حمّاد فی الفتن عن علی (ع) قال: قال رسول الله (ص): «المهدیّ منّا أهل البیت یصلحه الله فی لیلة».
راجع: الحاوی للفتاوی / السیوطی 2: 213 و 215 وفیه، أیضاً: أخرج أحمد وابن أبی شیبة وأبو داود، عن علیّ، عن النبیّ (ص) قال: «لو لم یبقَ من الدهر إلاّ یومٌ لبعث الله رجلاً من أهل بیتی یملؤها عدلاً کما ملئت جوراً»، وراجع: صحیح سنن المصطفى 2: 207، وسنن ابن ماجة 2: 1367 / 4085.
وراجع: معجم أحادیث المهدیّ 1: 147 وما بعدها، إذ ینقل أحادیث کثیرة عن الصحاح والمسانید فی هذا المعنى. موسوعة الإمام المهدیّ / ترتیب مهدی فقیه إیمانی، الجزء الأول، وفیها نسخة مصوّرة عن محاضرة الشیخ العبّاد حول ما جاء من الأحادیث والآثار فى المهدیّ (ع).
66 - الحاوی للفتاوی / السیوطی جلال الدین 2: 214، قال: وأخرج أبو داود وابن ماجة والطبرانی والحاکم عن أمّ سلمة قالت: سمعت رسول الله (ص) یقول: «المهدیّ من عترتی من ولد فاطمة». راجع صحیح سنن المصطفى لأبی داود 2: 208.
67 - حدیث المهدیّ من ذریة الحسین (ع) کما فی المصادر الآتیة على ما نقل فی معجم أحادیث المهدیّ وهی: الأربعون حدیثاً لأبی نعیم الأصفهانی کما فی عقد الدرر للمقدسی الشافعی، وأخرجه الطبرانی فی الأوسط على ما فی المنار المنیف لابن القیّم، وفی السیرة الحلبیة 1: 193، وفی القول المختصر لابن حجر. راجع منتخب الأثر للشیخ لطف الله الصافی فی ما نقله من کتب الشیعة، وراجع توهین الروایة التی تقول بأنّه من ولد الإمام الحسن (ع) کتاب السید العمیدی (دفاع عن الکافی 1: 296).
68 - راجع الروایة التی تنص على أنّه التاسع من ولد الحسین (ع) فی: ینابیع المودّة للقندوزی الحنفی: ص 492، وفی مقتل الإمام الحسین للخوارزمی 1: 196، وفی فرائد السمطین للجوینی الشافعی 2: 310 ـ 315 الأحادیث من 561 ـ 569، وراجع منتخب الأثر للعلاّمة الشیخ الصافی إذ خرّجها من طرق الفریقین (دفاع عن الکافی 1: 294).
69 - حدیث «الخلفاء بعدی اثنا عشر کلهم من قریش» أو «لا یزال هذا الدین قائماً ما ولیه اثنا عشر، کلهم من قریش».
هذا الحدیث متواتر، روته الصحاح والمسانید بطرق متعدّدة وإن اختلف فی متنه قلیلاً. نعم، اختلفوا فی تأویله واضطربوا. راجع: صحیح البخاری 9: 101 کتاب الأحکام ـباب الاستخلاف. وصحیح مسلم 2: 119 کتاب الإمارة. مسند أحمد 5: 90، 93، 97.
70 - راجع الغیبة الکبرى / السید محمد الصدر: ص 272 وما بعدها.
71 - راجع التاج الجامع للأصول 3: 40، قال: رواه الشیخان والترمذی، وراجع فی تحقیق الحدیث وطرقه وأسانیده کتاب الإمام المهدیّ (ع) / علیّ محمد علیّ دخیل.
72 - صحیح البخاری / المجلد الثالث / 9: 101، کتاب الأحکام ـ باب الاستخلاف. طبعة دار إحیاء التراث العربی ـ بیروت.
73 - راجع: التاج الجامع للأصول 3: 40، قال تعقیباً على الحدیث: رواه الشیخان والترمذی، وفی الهامش قال: رواه أبو داود فی کتاب المهدی بلفظ: "لا یزال هذا الدین قائماً حتى یکون علیکم اثنا عشر خلیفة..."، وراجع سنن أبی داود 2: 207.|
74 - المصدر السابق.
75 - المصدر السابق.
76 - مسند الإمام أحمد 5: 93، 100.
77 - المستدرک على الصحیحین 3: 618.
78 - إشارة إلى قوله تعالى: (وما ینطق عن الهوى * إن هو إلاّ وحیٌ یوحى)النجم: 3 ـ 4.
79 - تقدّم تخریج الحدیث.
80 - اضطرب العلماء فی تأویله بعد إطباقهم على صحته، وما أوردوه من مصادیق لا یمکن قبولها، بل أنّ بعضها غیر معقول تماماً کإدخالهم یزید بن معاویة المجاهر بالفسق، المحکوم بالمروق والکفر أو من هو على شاکلته. راجع ما نقله السید ثامر العمیدی من أقوالهم، وقد ناقش هذه القضیة مناقشة وافیة وعلمیة، وأبطل تأویلاتهم بما لا مزید علیه فی دفاع عن الکافی 1: 540 وما بعدها.
81 - راجع: الغیبة الصغرى / السید محمد الصدر، فقد توسّع فی بحثها.
82 - إشارة إلى الغیبة الکبرى.
83 - راجع: تبصرة الولی فیمن رأى القائم المهدیّ / السید هاشم البحرانی. ودفاع عن الکافی / السید ثامر العمیدی 1: 568 وما بعدها.
84 - راجع ترجمة هؤلاء الأربعة فی کتاب الغیبة الصغرى للسید محمد الصدر، الفصل الثالث: ص 395 وما بعدها، نشر دارالتعارف للمطبوعات / بیروت 1980.
85 - وهذه تُعرف بالتوقیعات، وهی الأجوبة التحریریّة والشفویّة التی نقلت عن الإمام المهدیّ (ع). راجع: الاحتجاج / الطبرسی 2 : 523 وما بعدها.
86 - مما استقر فی الأوساط الأدبیة وعند نقّاد الأدب قدیماً وحدیثاً أنّ الأسلوب هو الرجل، وهذه المقولة صحیحة. ومن هنا رأینا وسمعنا أنّ کثیراً من الأدباء وقارئی الأدب یمیّزون بمجرّد قراءة النصّ شعریّاً کان أم نثریّاً أنه لفلان، وما ذلک إلاّ لأنّ الأسلوب هو الرجل، وأنّ لکلّ کاتب سمةً وطابعاً خاصّاً فی کتابته یمکن تمییزه من غیره، هذا فضلاً على تمیّز خطّه الشریف من غیره من الخطوط.
87 - إشارة إلى النوّاب الأربعة المذکورین.
88 - وهو ما اصطلح علیه (بالمرجعیّة الدینیّة)، ویلاحظ هنا الصفات التی یرى الإمام الشهید لزوم توفّرها فی المرجعیّة.
89 - إنّ اتّصال الإمام القائد المهدیّ بقواعده الشیعیّة عن طریق نوابه ووکلائه، أو بأسالیب أخرى متنوّعة واقع تاریخی موضوعی لیس من سبیل إلى إنکاره، کما فی السفارة، فضلاً عن الدلائل الأخرى الکثیرة المستندة إلى إخبار من یجب تصدیقه، ثم هو مقتضى الأحادیث المتواترة، کحدیث: «من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتةً جاهلیة»، وغیر ذلک. إنّ کلّ ذلک مجموعاً ـ وهو محل اتّفاق أکثر طوائف الملّة الإسلامیة ـ یدحض وبشکل قاطع ما یثیره المتشکّکون حول وجود الإمام واستمرار حیاته المبارکة الشریفة، راجع: الغیبة الصغرى / السید محمد الصدر: ص 566. وراجع ما أثبتناه فی المقدمة: ص 15 وما بعدها.
90 - ورد التوقیع الشریف عن الإمام القائد المهدیّ (ع) بعدم إمکان رؤیته بشکل صریح بعد وقوع الغیبة الکبرى، وهذا محل اتّفاق علماء الإمامیة. وراجع مناقشة المسألة فی: الغیبة الصغرى / السید محمد الصدر: ص 639 وما بعدها.
91 - على الرغم من الأهمیة التی یعطیها الشهید الصدر (ره) هنا للظروف الموضوعیة; ودور نضوجها أو إنضاجها فی نجاح الثورات ـ وهذا فهم عمیق لأثر العالم الاجتماعی والنفسیّ ـ إلاّ أنّ الشهید الصدر (ره) یعرض نظریة جدیدة فی فهم عملیة التغییر الاجتماعی الذی تحدثه السماء من خلال الرسالات السماویة، فهی فی جانبها الرسالی ترتبط بقانونها الخاص، ولکن فی جانبها التنفیذی تعتمد الظروف الموضوعیة وترتبط بها توقیتاً ونجاحاً، وأعنی بالظروف الموضوعیة: الحالة السیاسیة، والحالة الاجتماعیة للأمة، والواقع الدولی المعاصر، ومدى قدرة الأمة فی إمکاناتها الذاتیة واستعدادها النفسی.
92 - إشارة إلى قوله تعالى: (قالوا حرّقوه وانصروا آلهتکم إن کنتم فاعلین * قلنا یا نار کونی برداً وسلاماً على إبراهیم * وأرادو به کیداً فجعلناهم الأخسرین) الأنبیاء : 68 ـ 70.
93 - راجع الروایة فی تفسیر ابن کثیر 2 : 33، وراجع : البحار / المجلسی 18 : 47 و 52 و 60، 75، باب معجزات النبیّ (ص).
94 - تاریخ الطبری 2 : 244 حوادث السنة الخامسة من الهجرة.
95 - کما هو نصّ الحدیث النبویّ الشریف: «لو لم یبق من الدنیا إلاّ یومٌ لطوّل الله ذلک الیوم حتى یبعث رجلاً منّی أو من أهل بیتی یملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما مُلئت ظلماً وجوراً».
راجع: التاج الجامع للأصول / منصور علی ناصف 5 : 360 الهامش، قال: رواه أبو داود والترمذی.
96 - لقد شاهدنا فی بدایة التسعینات المصداق لهذه المقولة التی أطلقها الشهید الصدر (ره) استناداً إلى خبرته العمیقة بالمجتمع البشری، فقد انهار الاتّحاد السوفیتی وهو أحد القطبین اللذین کانا یهیمنان على العالم انهیاراً سریعاً جداً، وبصورة أذهلت الجمیع.
97 - إشارة إلى نظریة المادیة التاریخیة، أی إلى التفسیر المارکسی للتاریخ، راجع: اقتصادنا 1 : 19، وفیه تحلیل علمیّ ومناقشة فلسفیة عمیقة بقلم الإمام الشهید الصدر (ره).
98 - إشارة إلى کتاب (فلسفتنا)، وإلى مقدّمة کتاب (اقتصادنا).
99 - راجع: کتاب الأبطال (البطل فی صورة نبیّ) / توماس کارلیل / ترجمة الدکتور السباعی، سلسلة الألف کتاب ـ مصر.
100 - راجع المقدمة الثانیة فی الفتاوى الواضحة: ص 63، وفیها توضیح وتفصیل لهذه المسألة.
101 - التاج الجامع للأصول 5: 343، عن أبی سعید (رض) عن النبیّ (ص): المهدیّ منّی أجلى الجبهة أقنى الأنف، یملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً».
102 - إشارة إلى علامات الظهور أو الملابسات والأحداث والوقائع التی تسبق ظهوره المبارک أو ترافق ظهوره کما صوّرتها الروایات ووردت بها الآثار الصحیحة، وقد بُسّطت تفصیلاً فی (عصر الظهور) للسید محمد الصدر. وراجع: الإرشاد / الشیخ المفید: ص 356 وما بعدها.
وراجع أیضاً: الإشاعة لأشراط الساعة / محمد بن رسول الحسینیّ البرزنجیّ.
103 - وفیه إشارة إلى ما یمکن أن تجّر إلیه الإنسانیة من أزمة حضاریة بسبب التنافسات والصراعات بین الحضارات المادیة والکیانات السیاسیة، وفشلها فی تحقیق الأمن والاستقرار والسعادة للإنسان، ولقد بدأت بوادر مثل هذا الفراغ تظهر وتتّسع شیئاً فشیئاً فی عصرنا الراهن فی شرق الأرض وغربها، وکلّ متتب،ع للأخبار والتقاریر الصحفیة والتحقیقات الخبریّة یعرف ذلک جیّداً. وما الیوم الموعود ببعید.

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد